يمتنع أن يكون عدميا ، بل وجوديا ، فقيام الشيء بنفسه أحق ألا يكون أمرا عدميا بل وجوديا وإذا كان قيام المخلوق بنفسه صفة كمال وهو مفتقر بالذات إلى غيره فقيام الغنى بذاته بنفسه أحق وأولى.
(فصل) القيام بالنفس صفة كمال ، فالقائم بنفسه أكمل ممن لا يقوم بنفسه ، ومن كان غناه من لوازم ذاته فقيامه بنفسه من لوازم ذاته ، وهذه حقيقة قيوميته سبحانه وهو الحى القيوم ، والقيوم : القيوم بنفسه المقيم لغيره ، فمن أنكر قيامه بنفسه بالمعنى المعقول فقد أنكر قيوميته وأثبت له قياما بالنفس يشاركه فيه العدم المحض ، بل جعل قيوميته أمرا عدميا لا وصفا ثبوتيا ، وهي عدم الحاجة إلى المحل ، ومعلوم أن المحل لا يحتاج إلى محل.
وأيضا فإنه يقال له : ما تعنى بعدم الحاجة إلى المحل : أتعني به الأمر المعقول من قيام الشيء بنفسه الذي يفارق به العرض القائم بغيره أم تعنى به أمرا آخر؟ فإن عنيت به الأول فهو المعنى المعقول ، والدليل قائم والإلزام صحيح ؛ وإن عنيت به أمرا آخر فإما أن يكون وجوديا ؛ وإما أن يكون عدميا فإن كان عدميا والعدم لا شيء كاسمه ؛ فتعود قيومته سبحانه إلى لا شيء؟ وإن عنيت به أمرا وجوديا غير المعنى المعقول الذي تعلقه الخاصة والعامة فلا بد من بيانه لينظر فيه ، هل يستلزم المباينة أم لا؟
(فصل) كل من أقر بوجود رب للعالم مدبر له ، لزمه الإقرار بمباينته لخلقه وعلوه عليهم ، وكل من أنكر مباينته وعلوه لزمه إنكاره وتعطيله ، فهاتان دعوتان في جانب النفي والإثبات ؛ أما الدعوى الأولى فإنه أولا أقر بالرب ؛ فإما أن يقر بأن له ذاتا وماهية مخصوصة أولا؟ فإن لم يقر بذلك لم يقر بالرب ، فإن ربا لا ذات له ولا ماهية له هو والعدم سواء ، إن أقر بأن له ذاتا مخصوصة وماهية ، فإما أن يقر بتعيينها أو يقول إنها غير معينة؟ فإن قال : إنها غير معينة كانت خيالا في الذهن لا في الخارج ، فإنه لا يوجد في الخارج إلا معين ، لا سيما وتلك الذات أولى من تعيين كل معين ، فإنه يستحيل وقوع الشركة فيها وأن يوجد لها نظير ، فتعين ذاته سبحانه واجب ، وإذا أقر بأنها معينة لا كلية ،