فهذا القسم إن سلط التأويل عليه عاد الشرع كله مؤولا ، لأنه أظهر أقسام القرآن ثبوتا وأكثرها ورودا ودلالة. ودلالة القرآن عليه متنوعة غاية التنوع ، فقبول ما سواه للتأويل أقرب من قبوله بكثير.
القسم الثاني : ما هو ظاهر في مراد المتكلم ولكنه يقبل التأويل ، فهذا ينظر في وروده ، فإن أطرد استعماله على وجه واحد استحال تأويله بما يخالف ظاهره لأن التأويل إنما يكون لموضع جاء خارجا عن نظائره متفردا عنها فيؤول حتى يرد إلى نظائره وتأويل هذا غير ممتنع إذا عرف من عادة المتكلم باطراد كلامه في توارد استعماله معني ألفه المخاطب ، فإذا جاء موضع يخالفه رده السامع إلى ما عهد من عرف المخاطب إلى عادته المطردة.
وهذا هو المعقول في الأذهان والفطر وعند كافة العقلاء.
وقد صرح أئمة العربية بأن الشيء إنما يجوز حذفه إذا كان الموضع الذي ادعى فيه حذفه قد استعمل فيه ثبوته أكثر من حذفه ؛ فلا بد أن يكون موضع ادعاء الحذف قد استعمل فيه ثبوته أكثر من حذفه ، حتى إذا جاء ذلك محذوفا في موضع علم بكثرة ذكره في نظائره أنه قد أزيل في هذا الموضع فحمل عليه. فهذا شأن من يقصد البيان ، وأما من يقصد التلبيس والتعمية فله شأن آخر.
* * *
(قاعدة فيما يجوز تأويله)
مثال ذلك قوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (طه : ٥) ، (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) (الأعراف : ٥٤) في جميع موارده من أولها إلى آخرها على هذا اللفظ ، فتأويله باستولى باطل ، وإنما كان يصح أن لو كان أكثر مجيئه بلفظ استولى ، ثم يخرج موضع عن نظائره ويرد بلفظ استوى ، فهذا كان يصح تأويله باستولى ، فتفطن لهذا الموضع واجعله قاعدة فيما يمتنع تأويله من كلام المتكلم ويجوز تأويله :
ونظير هذا اطراد النصوص بالنظر إلى الله تعالى هكذا «ترون ربكم» ،