الوجه الخامس : إن هذا تفسير لكلام الله بالرأى المجرد الذي لم يذهب إليه صاحب ولا تابع ، ولا قاله إمام من أئمة المسلمين ، ولا أحد من أهل التفسير الذين يحكون أقوال السلف ، وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار» (١).
الوجه السادس : إن إحداث القول في تفسير كتاب الله الذي كان السلف والأئمة على خلافه يستلزم أحد أمرين : إما أن يكون خطأ في نفسه أو تكون أقوال السلف المخالفة له خطأ ، ولا يشك عاقل أنه أولى بالغلط والخطأ من قول السلف.
الوجه السابع : إن هذا اللفظ قد أطرد في القرآن والسنة حيث ورد بلفظ الاستواء دون الاستيلاء ، ولو كان معناه استولى لكان استعماله في أكثر مورده كذلك ، فإذا جاء موضع أو موضعان بلفظ استوى حمل على معنى استولى لأنه المألوف المعهود ، وأما أن يأتى إلى لفظ قد أطرد استعماله في جميع موارده على معنى واحد فيدعى صرفه في الجميع إلي معنى لم يعهد استعماله فيه ففي غاية الفساد ، ولم يقصده ويفعله من قصد البيان ، هذا لو لم يكن في السياق ما يأبى حمله على غير معناه الذي أطرد استعماله فيه ، فكيف وفي السياق ما يأبى ذلك.
الوجه الثامن : إنه أتى بلفظة (ثم) التي حقيقتها الترتيب والمهلة ، ولو كان معناه معنى القدرة على العرش والاستيلاء عليه لم يتأخر ذلك إلى ما بعد خلق السموات والأرض ، فإن العرش كان موجودا قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف عام ، كما ثبت في «الصحيحين» عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إن الله تعالى قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء» (٢). وقال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي
__________________
(١) [ضعيف الإسناد وهو حسن لغيره] أخرجه الترمذي (٢٩٥١) ، والبغوي (١٧٦) وقال الترمذي : حديث حسن ا ه وضعفه الألبانى في «ضعيف الترمذي» «ضعيف الجامع» و «السلسلة الضعيفة» (١٧٨٣).
(٢) رواه مسلم (٢٦٥٣) ، والإمام أحمد (٢ / ١٩٦) ، والحاكم (١ / ٥).