النسمة ما أسر النبي صلىاللهعليهوسلم إلينا شيئا كتمه عن غيرنا إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه وما في هذه الصحيفة ، وكان فيها العقول والديات وفكاك الأسير ، وأن لا يقتل مسلم بكافر (١) ، وهذا الحديث في «الصحيحين».
وما ذكره ابن سينا من أنه لم يرد في القرآن من الإشارة إلى توحيده شيء ، فكلام غير صحيح. وهذا دليل على أنه باطل لا حقيقة له ، وأن من وافقهم عليه فهو جاهل ضال. وكذلك ما ذكره من أن من المواضع التي ذكرت فيها الصفات ما لا يحتمل اللفظ فيه إلا معنى واحدا كما ذكره في قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) فهو حجة على من نفى حقيقة ذلك ومدلوله من المعطلة نفاة الصفات وهو حجة عليه وعليهم جميعا ، وموافقتهم له على التعطيل لا تنفعه ، فإن ذلك (حجة) جدلية لا علمية ، إذ تسليمهم له (ذلك) لا يوجب على غيرهم أن يسلم ذلك له. فإذا تبين بالعقل الصريح ما يوافق النقل الصحيح دل ذلك على فساد قوله وقولهم جميعا.
(توحيد الملاحدة)
وكذلك قوله : هب أن هذه كلها موجودة على الاستعارة فأين التوحيد ، والدلالة والتصريح على التوحيد المحض الذي تدعو إليه حقيقة هذا الدين القيم المعترف بجلالته على لسان حكماء العالم قاطبة؟ كلام صحيح لو كان ما قاله النفاة حقا ، فإنه على قولهم لا يكون هذا الدين القيم قد بين التوحيد الحق أصلا. وحينئذ فنقول : إن التوحيد الذي دعا إليه هؤلاء الملاحدة هو من أعظم الإلحاد في أسماء الرب وصفاته وأفعاله ، وهو حقيقة الكفر وتعطيل العالم عن صانعه. وتعطيل الصانع الذي أثبتوه عن صفات كماله. فشرك عباد الأصنام والأوثان والشمس والقمر والكواكب خير من توحيد هؤلاء بكثير ، فإنه شرك في الإلهية مع إثبات صانع العالم وصفاته وأفعاله وقدرته ومشيئته وعلمه بالكليات
__________________
(١) تقدم تخريجه.