فصل في كسر الطاغوت الثالث
الذي وضعته الجهمية لتعطيل حقائق الأسماء والصفات
وهو طاغوت المجاز
هذا الطاغوت لهج به المتأخرون ، والتجأ إليه المعطلون ، وجعلوه جنة يترسون بها من سهام الراشقين ويصدرون عن حقائق الوحى المبين فمنهم من يقول : الحقيقة هي اللفظ المستعمل فيما وضع له أولا. ومنهم من يقول : الحقيقة هى المعنى الّذي وضع له اللفظ أولا والمجاز استعمال اللفظ فيما وضع له ثانيا ، فها هنا ثلاثة أمور : لفظ ومعنى واستعمال. فمنهم من جعل مورد التقسيم هو الأول ، ومنهم من جعله الثاني ، ومنهم من جعله الثالث ، والقائلون حقيقة اللفظ كذا ومجازه كذا يجعلون الحقيقة والمجاز من عوارض المعانى. فإنهم إذا قالوا مثلا : حقيقة الأسد هو الحيوان المفترس ومجازه الرجل الشجاع ، جعلوا الحقيقة والمجاز للمعنى لا للألفاظ ، وإذا قالوا هذا الاستعمال حقيقة وهذا الاستعمال مجاز جعلوا ذلك من توابع الاستعمال ، وإذا قالوا هذا اللفظ حقيقة في كذا ، مجاز في كذا جعلوا ذلك من عوارض الألفاظ ، وكثير منهم في كلامه هذا وهذا وهذا.
والمقصود أنهم سواء قسموا اللفظ ومدلوله أو استعماله في مدلوله طولبوا بثلاثة أمور (أحدها) تعيين ورود التقسيم ، (الثاني) صحته بذكر ما تشترك فيه الأقسام وما ينفصل وما يتميز به فلا بد من ذلك المشترك ؛ والمميز ضرورة صحة التقسيم (الثالث) التزام الطرد والعكس فإن التقسيم من جنس التحديد إذ هو مشتمل على القدر المشترك والقدر المميز الفارق فإن لم يطرد التقسيم وينعكس كان تقسيما فاسدا.