تعدي الفعل إلى المفعول معه نحو استوى الماء والخشبة بمعنى ساواها. وهذه معانى الاستواء المعقولة في كلامهم ، وليس فيها معنى استولى البتة ، ولا نقله أحد من أئمة الذين يعتمد قولهم ، وإنما قاله متأخروا النحاة ممن سلك طريق المعتزلة والجهمية. يوضحه :
الوجه الثاني : إن الذين قالوا ذلك لم يقولوه نقلا ، فإنه مجاهرة بالكذب وإنما قالوه استنباطا وحملا منهم للفظة استوى على استولى ، واستدلوا بقول الشاعر :
قد استوى بشر على العراق |
|
من غير سيف أو دم مهراق |
وهذا البيت ليس من شعر العرب كما سيأتي بيانه.
الوجه الثالث : إن أهل اللغة لما سمعوا ذلك أنكروه غاية الإنكار ، ولم يجعلوه من لغة العرب. قال ابن الأعرابي وقد سئل : هل يصح أن يكون استوى بمعنى استولى؟ فقال : لا تعرف العرب ذلك ، وهذا هو من أكابر أئمة اللغة.
الوجه الرابع : ما قاله الخطابي في كتابه «شعار الدين» قال : القول في أن الله مستو على عرشه ، ثم ذكر الأدلة في القرآن ثم قال : فدل ما تلوته من هذه الآي أن الله تعالى في السماء مستو على العرش ، وقد جرت عادة المسلمين خاصهم وعامهم بأن يدعوا ربهم عند الابتهال والرغبة إليه ويرفعوا أيديهم إلى السماء ، وذلكم لاستفاضة العلم عندهم بأن المدعو في السماء سبحانه.
إلى أن قال : وزعم بعضهم أن الاستواء هاهنا بمعنى الاستيلاء ، ونزع فيه إلى بيت مجهول لم يقله شاعر معروف يصح الاحتجاج بقوله ؛ ولو كان الاستواء هاهنا بمعنى الاستيلاء لكان الكلام عديم الفائدة ، لأن الله تعالى قد أحاط علمه وقدرته بكل شيء وكل قطر وبقعة من السموات والأرضين وتحت العرش ، فما معنى تحصيصه العرش بالذكر ، ثم إن الاستيلاء إنما يتحقق معناه عند المنع من الشيء ، فإذا وقع الظفر به قيل استولى عليه ، فأي منع كان هناك حتى يوصف بالاستيلاء بعده؟ هذا لفظه وهو من أئمة اللغة.