وإنّما قلنا إنّ الإنسان الكلّي ليس له نصيب من الجوهرية إلّا مفهومها ، لأنّ للجوهر الواقعي الخارجي ، آثاراً ، منها كونه موجوداً لا في موضوع ، والحال أنّ الإنسان الكلّي موجود في الذهن وقائم به ، فكيف يمكن أن يكون مصداقاً للجوهر مع عدم ترتب الأثر عليه؟ وهذا يجرّنا إلى القول بأنّه جوهر من حيث المفهوم فحسب ، أي إذا حلّلناه ينحل إلى مجموعة مفاهيم هي : مفهوم الجوهر ، ومفهوم الجسم ، ومفهوم النامي ... الخ.
ومثل الإنسان الكليّ ، «السواد» الموجود في الذهن ، والسطح الذهني ، فلا حَظَّ للأول من الكيفية إلّا مفهوم الكيف ، ولا حظّ للثاني من الكمية إلّا مفهوم الكم ، بنفس البيان السابق ، فإنّ للكيف والكم الخارجيين آثاراً مفقودة في الذهن.
وعلى ضوء ذلك ينحل الإشكال ، إذ لا مانع من أن يكون الإنسان الذهني جوهراً وكيفاً في الوقت نفسه ، والسطح الذهني كما وكيفاً في الوقت نفسه ، والسواد الذهني كيفاً محسوساً وكيفاً نفسانياً في الوقت نفسه ، وذلك باعتبارين.
فهو بالحمل الأولي من نفس مقولته الخارجية.
وبالحمل الشائع الصناعي كيف نفساني قائم بصقع الذهن.
فلا تناقض في قولنا : الإنسان الذهني جوهر وكيف ، إذ هو جوهر بالحمل الأولي ، وكيف بالحمل الشائع الصناعي.
وبعد أن أوضحنا هذه النظرية ، نذكر كلام بعض من لخّصها من الحكماء :
قال الحكيم السبزواري : إنّ الطبائع الكلية العقلية (كالإنسان) من حيث كليتها ومعقوليتها ، لا تدخل تحت مقولة من المقولات (بالحمل الشائع لا بالحمل الأَولي) ومن حيث وجودها في النفس تدخل تحت مقولة الكيف (١).
إنّ الجوهر ، وإن أُخذ في طبيعة نوعه ، كالإنسان ، وكذا الكم في طبيعة
__________________
(١) فهو جوهر بالحمل الأولي ، وكيف بالحمل الشائع. وفي الحقيقة جوهر مسامحةً ، كيف بالحقيقةِ ، لأنّ الجوهر الحقيقي هو ما تترتب عليه آثاره الخارجية.