المعرفة ، فإنّا نرى سقوط التفاحة من الشجرة ، فهذا له معطىً حسيٌّ ، وأمّا قانون الجاذبية المسْتَنْتَج من ذلك السقوط ، فليس له معطىً حسيٌّ مباشر.
ولأجل ذلك ، يجب على أصحاب الفلسفة الوضعية القول بأنّ الواقعية أوسع من تحديدها بما له معطى حسيّ ، بل هو على قسمين : ما له معطىً حسيّ إذا كانت نفس الواقعية حسيّة ، وما ليس له معطى حسي ، إذا كانت الواقعية فوق الحسّ.
فليس إثبات واقعية الشيء رهن أن يكون له معطى حسيّ تباشره حواسنا ، بل يكفي في كشف الواقعيات والإذعان بوجودها ، البرهنة عليها من جانب القضايا البديهية ، وكأنّها تكون ذريعة لإثباتها على النحو الّذي ذكرناه.
الدافع الثالث ـ تأثير البرجماتية
لقد كان للفلسفة البرجماتية (١) الّتي كان للفيلسوف الأميركي ويليام جيمس (٢) (١٨٤٢ ـ ١٩١٥ م) مساهمة وافرة في تأسيسها ، تأثيرٌ هامٌّ في إخراج العوالم الغيبية عن إطار تعلّق المعرفة.
لقد بُنيت هذه الفلسفة على أساس أنّ «الحق» هو ما كان مفيداً أو ناجحاً أو نافعاً في الحياة. ويتوسع «جيمس» في فهم ما هو مفيد أو ناجح أو نافع :
أ ـ ففي ميدان التجربة الفيزيائية : المفيد هو ما يمكّن من التنبؤ ، ومن العمل ، ومن التأثير والإنتاج.
ب ـ وفي ميدان التجربة النفسانية والعقلية : المفيد هو ما هو مفيد للفكر ، وما يزودنا الشعور بالمعقولية ، وهو شعور بالراحة والسلام.
ج ـ وفي ميدان التجربة الدينية ، يكون الاعتقاد حقاً إذا نجح روحياً ، أي
__________________
(١)MSITAMGARP.
(٢)semaJ mialliW. ولد في نيويورك عام ١٨٤٢. وهو الابن الأكبر لهنري جيمس الكاتب الساخر ، الّذي كان شديد الاشمئزاز من رجال الدين ، عبّر عنه طوال حياته في كتاباته ، وترك ذلك أثره البالغ في نشأة وتكوين ابنه ويليام. توفي في ٢٦ آب سنة ١٩١٥.