حدث كل ذلك من المفكرين والفلاسفة الغربيين ، بلا وعي ، بل كان انفعالاً لا شعورياً ، ولم يكن إنكارهم للعوالم الغيبية أو الشك فيها ، وكذا كل موقف سلبي حملوه على الدين والتدين ، إلّا ضلالاً في المنطق ، لا استدلالاً بالبرهان.
ولذا ترى أنّ تلك المجتمعات لما مضت إلى حالتها الأولى ، وتمركز فيها الاستقرار الفكري ، برز جملة كثيرة من العلماء الطبيعيين والمفكرين ، يدعون إلى الإيمان والاعتقاد بالمفاهيم الفلسفية الصحيحة ، في ضوء ما اكتشفوه من قوانين ونواميس وأنظمة في الكون الفسيح (١).
الدافع الخامس ـ انهيار بعض النظريات العلمية القديمة
لقد كان سقوط وانهيار بعض الآراء والنظريات الطبيعية والفلكية القديمة ، إبّان التحول العلمي في الغرب ، من العوامل الجوهرية الّتي دفعت العلماء والمفكرين في عصر النهضة (٢) إلى الشك في كل ما يتصل بالقديم من آراء وأفكار ونظريات ، شأن كل ثورة علمية أو اجتماعية ، فإنّها لا تكتفي باجتياح ما هو باطل فحسب ، بل تجتاح ـ تحت تأثير العامل النفسي السلبي ـ كلَّ شيء يتصل بما قبل الثورة ، حقّاً كان أو باطلاً ، صحيحاً كان أم خاطئاً.
ولم تسلم العقائد الدينية من هذا القانون ، فإنّهم لما رأوا أنّ ما افترضه القدماء حول الأفلاك والعناصر ذهب أدراج الرياح ، عادوا يحدّثون أنفسهم قائلين : لم لا تكون العوالم الغيبية والروحية ، مثل الفروض الفلكية والعنصرية ، والمصدر واحد؟
فصار ـ بالتالي ـ انهيار الفروض العلمية سبباً للتشكيك في صحة المعتقدات
__________________
(١) ولعلّ من أبرز ما كتب في هذا المجال ، كتاب : «الله يتجلّى في عصر العلم» ، الّذي يحتوي على ما يقرب من ثلاثين مقالة تحقيقية حول وجود الله وبعض صفاته ، بقلم علماء واختصاصيين في مختلف أبواب العلوم.
(٢)ecnassianeR.