٧ ـ إثبات الصانع بطريقة ديكارت مستلزم للدور
قد عرفت أنّ ديكارت اعتمد في إثبات وجود الصانع على أُصول :
أ ـ إنّي أجد فكرة الإله في ذهني ، فلا بد أن يكون لها من مصدر. (كل ظاهرة تحتاج إلى علّة).
ب ـ إنّ هذه الظاهرة الذهنية ، بما لها من الكمال ، يمتنع أن يكون الذهن مصدرها ، بل لا بدّ أن يكون سببها أكمل من النفس والذهن.
ج ـ ثمّ فرّع على ذلك أنّ هذه الفكرة ، وكلّ فكرة فطرية ، ليس لها مصدر إلّا الله ، وكذا كل البديهيات ، كالحركة والامتداد والنفس وغيرها.
د ـ ثمّ وجه إلى نفسه سؤالاً : لما ذا لا تكون تلك القوّة (الإله) خادعة ومضلّلة لذهني في أفكاره وتصوراته؟
وأجاب : إنّ الخداع آية العجز والنقص ، والموجود الكامل منزّه عنه.
هذا خلاصة استدلال «ديكارت».
غير أنّ هذا الاستدلال دوري لا يفيد ، وذلك لأنّه وصل إلى هذه النتيجة : «إنّ القوة الكبرى ليست بخادعة بالنسبة إلى الأفكار الّتي يحملها ذهني وتودعها تلك القوة فيه» بعد الاستدلال بأُصول ثلاثة ، فهو لم يكن جازماً بهذه النتيجة عند ما كان يتفوّه بالأُصول الثلاثة الأُولى.
وعلى ضوء هذا ، فالأُصول الثلاثة الأُولى مشكوكة جداً عند الاستدلال ، لاحتمال أن تكون من تضليل القوة الكبرى وخداعها ، فإن تنزّهها عن الخداع لم يُتَوصل إليه بعد.
وعلى ذلك ، فصحّة الأصول الثلاثة الأولى ، متوقفة على صحة الأصل الرابع (تنزه الإله عن الخداع) ، مع أنّ هذا الأصل مبتن على صحة الأُصول الثلاثة ، وهذا هو الدور.