الأصل ، ويردّد أنّ علّة الحكم هذه الصفة أو تلك ، ثمّ يبطل ثانياً حكم عليَّة كلٍّ كلٍّ حتّى يستقر على وصف واحد. ويستفاد من ذلك كون هذا الوصف علةً ، كما يقال : علّة حرمة الخمر إمّا الاتّخاذ من العنب ، أو الميعان ، أو اللون المخصوص ، أو الطعم المخصوص ، أو الرائحة المخصوصة ، أو الإسكار. لكن الأوّل ليس بعلّةٍ ، لوجوده في الدِّبس ، مع كونه غير محرَّم. وكذا البواقي ـ ما سوى الإسكار ـ بمثل ما ذكر. فتعين الإسكار للعليّة.
الثالث : التنصيص ، والمراد منه أنْ يصرَّح بعلّة الحكم في دليل حكم الأصل ، بأن يقال الخمر حرام لأنّه مسكر.
والجامع الّذي يثبت بالدوران أو الترديد ، يسمّى «علّة مستنبطة» ، والّذي يثبت بالتنصيص ، يسمّى «علة منصوصة».
قيمته العلميّة
يقع الكلام في قيمته العلمية في موضعين : أحدهما التمثيل مستنبط العلّة ، والآخر التمثيل منصوص العلّة.
أمّا الأوّل ، فلا شكّ أنّ المشاهدة البسيطة ربما لا تفيد الاحتمال ، فضلاً عن الظنّ ، فإذا رأينا إنساناً ذا هيبة مخيفة ، وشارب كبير ، وعضلات مفتولة ، وحكم عليه بأنّه مجرم قاتل ، ثمّ رأينا بعد ذلك شخصاً آخر بهذه الصفات ، لم يمكننا القول بأنّه مجرم وقاتل ، بحجّة اشتراكهما في تلك الصفات.
نعم ، كلّما كثرت وقويت وجوه الشبه بين الأصل والفرع ، يتدرج الإنسان من الاحتمال إلى الظن ، ومنه إلى الاطمئنان. ومن ذلك إلحاق الناس بعضهم ببعض لشباهة بينهم في الشكل والحركة والصوت ونحو ذلك ، فيُلحق الأولاد بالآباء عن طريق المشابهة المتواجدة بينهم(١).
نعم ، لو توفّرت المشابهة توفّراً كثيراً ، ربما يحصل للممثِّل العلم الجازم بأنّ هذا هو العلة الوحيدة لثبوت الحكم في الأصل ، كما هو الحال في الخمر ، فإنّه لو
__________________
(١) وهو إلحاق على خلاف الموازين الشرعية.