المعرفة (١).
أدلة تجرّد المعرفة
الدليل الأول ـ استحالة انطباع الكبير في الصغير
لا شك أنّ كل واحد منّا يدرك صورة الموجودات العظيمة ويتصورها بما لها من الحجم والمقدار ، كالسماء المترامية ، والجبال الشاهقة ، والسهول الفسيحة ، هذا من جانب.
ومن جانب آخر ، إنّ من المستحيل انطباع الصور الكبيرة في المحالّ الصغيرة ، لأنّ المحل يجب أن يكون أوسع من الحالّ أو مساوياً له.
فإذا كان الأمر كذلك ، فكيف يمكن القول بأنّ العلم هو نفس الأثر البارز في الدماغ ، فإنّ الدماغ المادي يستحيل أن يستوعب صور الأشياء العظيمة ، الّتي قد ترقى نسبتها إليه ، إلى نسبة أعظم الجبال إلى الذرة؟!
فلا بدّ ـ إذن ـ من وجودٍ مجرَّدٍ وراء هذا الدماغ المادي ، هو الّذي يشكل حقيقة العلم ، وإدراك الأشياء.
قال صدر المتألهين : إنّا نتصور جبالاً شاهقة وصحاري واسعة مع أشجارها وأنهارها وتلالها ووهادها ، ونتصور الفلك والكواكب العظيمة المقدار. فلو كان محل هذه الأشياء مقدم الدماغ ، لوجب أن تحصل تلك الأُمور فيه ، فإنّه شيء قليل المقدار والحجم ، وانطباع العظيم في الصغير ممّا لا يخفى بطلانه.
ولا يكفي الاعتذار بأنّ كليهما يقبلان التقسيم إلى غير النهاية ، فإنّ الكف لا تسع الجبل وإن كان كل منهما يقبل التقسيم لا إلى نهاية(٢).
__________________
(١) وقد بحث الإسلاميون عن تجرّد المعرفة تارة مستقلاً وأخرى تبعاً للبحث عن تجرّد النفس. فالأول ما يجده الباحث عند بحثهم عن تقسيم الوجود إلى الذهني والخارجي ، فلاحظ الجزء الأوّل من الأسفار : ٢٩٩ ـ ٣٠٢ ، وشرح منظومة الحكيم السبزواري ، لناظمها : ٢٣ ـ ٣٢. وأمّا الثاني فلاحظه في الأسفار : ٣ / ٤٧٥ ـ ٤٨٧. وج ٨ / ٢٦٠ ـ ٣٠٣.
(٢) المراد التقسيم العقلي لا الحسيّ ، وهذا هو المراد من بطلان الجوهر الفرد أي الجزء الّذي لا يتجزّأ.