التمساح ، ولأجل ذلك قالوا إنّ الاستقراء الناقص لا يفيد اليقين.
نعم ، لا شك أنّه يفيد الظن ، والظن يُلحق الشيء بالأعم الأغلب.
والحق أن يقال إنّه إذا تهاون المستقرئ في استقرائه ، وترك الكثير ممّا يمكن التفحص عنه ، واكتفى بالقليل ، فلا شك أنّه ربما لا يفيد حتّى الظن. ولو أفاده لما تجاوز عنه. وأمّا لو بذل جهده ، وسعى سعيه إلى حدٍّ كبير ، ولم ير باباً إلّا طرقه ، ووصل إلى نتيجة خاصة ، وصار احتمال مخالفها ، احتمالاً ضئيلاً لا يتوجه إليه الذهن وإن كان موجوداً في زواياه ، فعند ذلك يفيد العلم ، أي العلم العرفي ، باعتبار فرض الاحتمال المخالف كالعدم. وكلّما اتّسع نطاق الاستقراء ، يبتعد صحة الاحتمال المخالف ، إلى حدٍّ ينساه الذهن في مقام القضاء.
وما ذكره القدماء أمر متين ، إذا فسرنا العلم بالاعتقاد الجازم الّذي لا نحتمل خلافه أبداً ، حتّى واحداً في المليار. ومن المعلوم أنّ الاستقراء الناقص لا ينتج هذه النتيجة ، إذ الاحتمال المخالف ـ ولو بصورة ضئيلة ـ موجود في الضمير ، وهو على طرف النقيض من العلم.
والعلم بهذا المعنى هو مصطلح منطقي ، غير أنّ العقلاء ـ في فروضهم العلمية ـ يكتفون بما هو أدون من ذلك. فلو تبيَّن حال موضوع بنحو يطمئن إليه الفؤاد ، وكان الاحتمال المخالف ضئيلاً إلى حدّ لا تتوجه إليه النفس ، يسمون الاستقراء دليلاً علمياً لا ظنياً ، وذلك لإهمالهم الاحتمال المخالف الضئيل المكنون في الذهن. وهذا هو الرائج في التحليلات الاجتماعية والعلمية. وإليك مثال في غير الاستقراء :
لو وقع حريق مهيب في معمل من المعامل ، وجاء الخُبراء لتحقيق مَنْشئه ، وتحديد فاعله ، فيفترضون عدّة فروض ، ثمّ يَردّون الواحد منها تلو الآخر ، حتّى يستقرّ نظرهم على أقواها وهو ـ مثلاً ـ أن تكون النار قد انقدحت من احتكاك أسلاك كهربائية أوجدت في البداية حريقاً في زاوية معينة من المعمل ثمّ انتشرت إلى سائر أرجائه. فيخرجون بهذه النتيجة ، ويعلنون على الملأ أن سبب الحريق هو ذلك.