وصلواته على محمد وآله وسلم.
وأما قوله : ثم زعموا أن الله خلق الأشياء كلها بيده من شيء موجود ـ وزعم ـ أن اليد لا يتوهّم قبضها وبسطها إلا بعد وجود.
فوا عجبا لجهله بمسائله! وزور كذبه علينا ومقاوله! ومتى ويله زعمنا له أن جميع ما بثّ من خلقه وأرى ، مما ولي خلقه بيده تعالى؟! إنما قيل ذلك في آدم خاصة دون غيره من الأشياء ، إذ تولى سبحانه صنعه بالابتداء ، ولم يكن ككون بعض الأشياء من بعض ، ولم يتقدمه في خلقه (١) نظير من أهل الأرض. فأما نظراؤه الذين كانوا بعد من أولاده ، فإنما خلقهم سبحانه بالتناسل من بعده ، لا على طريق خلقته من الابتداء ، ولا بمثل مبتدئه من الأشياء ، خلقا عن غير والدين ولداه ، ومبتدعا لا على مثال ابتداه.
فأما قوله في قول الله سبحانه : (كُنْ فَيَكُونُ) [البقرة : ١١٧] ، وزعمه أنه لا يقال : كن إلا لما هو كون ، فليس ـ ويله ، ويلا يكثر عوله ـ مذهبنا في ذلك إلى ما توهم(٢) وأنه سبحانه نطق أو تكلم ، إنما ذلك للإخبار ، عن القوة منه والاقتدار ، وأنه لا يفعل ما فعل بمباشرة ، وأن سبيل فعله كله سبيل قدرة ، لا يعان بكفين ، ولا يستعان (٣) بمعين.
فأما (٤) قوله : لأن كون شيء ، لا من شيء ، لا يقوم في الوهم له مثال ، وما لا يقوم في الوهم مثاله فمحال.
فإنه يقال فيه لمن قال مقاله ، ورضي ـ فيما قال منه ـ حاله : أتزعم يا هذا أن الأشياء قديمة؟! ليس لبعضها على بعض عندك تقدمه؟!
فمن قوله : نعم ، قد ثبت لكلها القدم.
فيقال له : أليس إقرارك لكلها بقدمها ، وإثباتك للقدم في توهّمها ، إقرارا بأنها لا من شيء ، وأنها أول بدي؟!
__________________
(١) في (ب) و (د) : خلقته.
(٢) في (ب) و (د) : يتوهم.
(٣) في جميع المخطوطات : لا يعانا. مصحفة. وفي (ب) و (د) : ولا يستعان فيه بمعين.
(٤) في (أ) و (ج) : وأما.