(الرد على من زعم أن الله نور كالأنوار المخلوقة)
إن بعض الملحدين توهم (١) أن الله عزوجل نور كالأنوار المنبسطة ، وتوهم آخرون منهم أنه نور كالأنوار الكثيفة الساترة ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، وقد رأينا مثل المعنيين اللذين توهموا من النور المنبسط ، والنور الكثيف الساتر ، فأما النور الكثيف الساتر ، فالبدر إذا هو كهر ، (٢) وكثف ، ستر من السماء عن أبصارنا بقدر استدارته ، ورأينا قرص الشمس كثيفا ساترا يستر الأبصار من السماء بقدر استدارته ، فأما النور المنبسط ، الذي تنفذه الأبصار فقد رأيناه ، (٣) من ذلك ضوء النهار ، ونور القمر ، وشعاع الشمس يدخل من الكوة ، فلا يستر (٤) أبصارنا لانبساطها ، ولا يكون ذلك ساترا لأبصارنا عما خلفه.
وأعلام العبودية في هذه الأنوار التي ذكرنا كلها بينة ، وذلك (٥) لأن النور الكثيف الساتر ضعيف لا يقدر على الزيادة في نفسه ، ولا الانتقاص لها ، ولا تقدر على الامتناع من العيون أن تدركها ، (٦) فالضعف لكل ما ذكرنا لازم ، وكذلك الضعف بيّن في الأنوار المنبسطة ، إذ لم يحجب الأبصار عن نفذها ومجاوزتها إلى ما خلفها ، فالضعف لكل ما ذكرنا لازم ، والله فيتعالى (٧) عن هذه المعاني ، أن يكون بشيء منها موصوفا ، لأنها مخلوقة ، وكل ما أشبه المخلوق فهو مخلوق ، وليس الخالق للشيء ، كالمخلوق في جميع المعاني كلها.
وأعلم أن النور له في الكتاب وفي (٨) اللغة معان ، يجري على الله عزوجل بعضها ،
__________________
(١) في (ب) و (ج) : زعم.
(٢) في (أ) و (ب) و (ج) و (د) : قهر ، والكهر : الارتفاع.
(٣) في (أ) : رأينا.
(٤) في (ب) و (د) : فلا تستره.
(٥) سقط من (ب) و (د) : لأن.
(٦) كذا في جميع المخطوطات ولعلها (تدركه) لأن الضمير عائد على النور.
(٧) في (أ) و (ج) : فتعالى.
(٨) سقط من (ب) : في.