فصاحة الإمام وبلاغته
لقد ولد الإمام القاسم سنة (١٦٩ ه) وعاش وتربى في بيت النبوة والرسالة ، يتلقى العلم عن آبائه ، أسرة العلم والحلم والحكمة ، وتربى بعيدا عن تأثير اللغات الدخيلة على العربية الفصحى ، من لغات الداخلين في الإسلام من العجم من فرس وروم وخزر وصقالبة وبربر وسائر لغات الأفارقة ، فبقي عربيا نقيا سليقيا ، وعباراته الجزلة وألفاظه الغربية ، وتراكيبه المتينة ، وسبكه المنظوم ، تدل بما لا يدع مجالا للشك على أصالة لغته ، ونقاء ثقافته.
وفوق هذا كله فالإمام شاعر مطبوع عذب المورد ، مشرق المعنى ، وأديب متضلع في فنون الأدب ، متقن لعلوم اللسان ، عارف بأخبار العرب ، مطلع على لغاتها ، راو لأشعارها وأمثالها ، كاتب بديع الإنشاء ، حسن الترسل ، ناصع البيان ، وهو ناثر لا يدانى من غير تكلف.
فجميع كتبه التي تزيد على الثلاثين ، مصوغة بطريقة الشعر المنثور أو النثر المشعور ، ما عدى سبعة كتب ، هي : المسترشد ، والرد على المجبرة ، والرد على الملحد ، والرد على الرافضة ، والعدل والتوحيد ، والإمامة كتابان.
ولك أن تتخيل أيها القارئ وعورة هذا المسلك ، وصعوبة هذا السبيل ، سيما والمواضيع التي تناولتها تلك الكتب أهم وأخطر المواضيع الكلامية والفلسفية والعرفانية والفقهية ، فترى الإمام القاسم مع هذا يلتزم بالنثر المشعور دون أن تلحظ في لغته أدنى تكلف أو ضعف ، بل يمضي على سليقته العربية التي خصه الله بها. حتى نصوص التوراة والإنجيل والزبور فإنه يصيغها بلغته الشاعرية الرقيقة ، محافظا على المعنى كله دون ما تغيير ، وستلاحظ أيها القارئ النصوص الأصلية للتوراة والإنجيل مقارنة بالنصوص المصوغة بلغته الشاعرية ، فلا تجد أي اختلاف في المعنى. ولن أضرب لك مثلا على ذلك ، لأن كتبه كلها أمثلة على ما ذكرت.
شاعرية الإمام
لم يبق فن من فنون الأدب إلا وخاضه الإمام القاسم بمهارة وبراعة ، وشعره يعد