وزوال الأزلية والوحدانية ، وإذ لا يكون واحدا من كان له ولد أبدا ، ولا يكون أزليا من كان أبا أو والدا ، (١) لأن الابن ليس لأبيه برب ، وكذلك الرب فليس لمربوب بأب ، إذ كان الابن في الذات هو مثله فكلاهما من الربوبية قاص متبعّد ، إذ ليس منهما من هو بها متفرد متوحد. لأن الربوبية لا تمكن أبدا إلا لواحد ، ليس بأصل لشيء ولا ولد ولا والد.
ولكل ولد في (٢) ذاته ، ما للوالد من صفاته ، وكذلك والده فله في الذات ، مثل ما للولد في ذلك من الصفات ، كالانسانية التي للابن منها ما لأمه وأبيه ، وفي الأبوين منها ومن كمالها مثل ما فيه ، فليس له من الانسانية وحدودها ، ولا مما يوجد فيه وفيهما من موجودها ، أكثر مما لهما منها ، وكل واحد منهما فغير مقصر عنها ، ولتمامهما جميعا فيها ، وفطرة الله لهما عليها ، كان الابن ولدا لهما ونسلا ، وكانا له بها محتدا وأصلا ، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه ، لعيسى صلوات الله عليه ورضوانه ، فيما نزل من الكتاب ، في يوم البعث والحساب ، توقيفا وتعريفا له وللعباد ، على أنه قد يجب للوالد في الذات ما يجب للأولاد ، وتوبيخا لمن أفرده دون أمه في العبودية والإلهية ، وحالهما في الذات حال واحدة مستوية ، فعبدوه عماية وجهلا دونها ، وهم يعلمون أنه ابنها ومنها ، ويوقنون فلا يشكّون أن أباها أبوه ، فهي وآباؤها أولى منه بما أعطوه ، إذ كان لو لا وجودهم لم يوجد ، ولو لا ولادتهم له لم يولد.
فكيف يعبدونه دونهم ، ولم يكن قط إلا منهم ، فهو في الذات كهم ، إلا أن يفرقوا بينه وبينهم ، بحال يخصونه بها دونهم ، أو بغير ذلك من فعل من الأفعال ، هو سوى ما يجمعهم وإياه في الذات من الحال ، فكيف وذلك غير قولهم ، وما يبنون عليه من أصلهم.
[عيسى بشر]
فاسمعوا لقول الله في ذلك وبيانه ، وما بيّن فيه جل جلاله من تفصيله وفرقانه ، إذ
__________________
(١) في جميع المخطوطات : كان والدا أو أبا. والصواب ما أثبت.
(٢) في (ج) : من.