محتوى الرسالة ومنهج المؤلف
بدأ الإمام القاسم رسالته في نفي كون الله عزوجل من والد أو يكون له ولد ، وذلك لأن (الربوبية لا تمكن أبدا إلا لواحد ، ليس بأصل لشيء ولا ولد ولا والد).
فالولد يحمل صفات وسمات أبيه ، وأبوه كذلك يحمل صفات ابنه فهو له شبيه ، ومن كان من والد فآباؤه أولى منه بالعبودية ، وقد نفى النص الإلهية لعيسى ونفى الوالدية ، وتعجب من عبادتهم له دون أمه رغم أنها أصل وهو فرعها ، وما ثبت للفرع فالأصل أحق منه بذلك ، وبنفي الإلهية عنها تنفى النبوة أيضا!
ومن ناحية المعقول فالأنبياء من البشر يأكلون ويشربون وقد أشار النص لذلك ، وشهدوا هم أنفسهم بذلك ، والنصارى تشهد على عيسى بأنه كان يألم ويفرح ويأكل ، بشر ككل البشر ، وهذه آية بينة تبطل دعوى النصارى في إلهيته.
والنصارى عبدت عيسى ، عبادة غيرها للنجوم والكواكب وجعلها وسائط وآلهة بينها وبين الله ، يخلق بهن ويعطي ويمنع ويحيي ويميت بواستطتهن. (وكذلك زعم المشركون من أصحاب النجوم أن الله خلق الحيوان الميت ودبره بالنجوم السبعة ، وأن بهن وبما جعل الله من القوة فيهن كانت من ذلك كل بريته وكل صنعة!).
وفي ولادة عيسى وتماثله واشتباهه مع غيره من البشر دليل على بشريته وإبطال لدعوى الإلهية المزعومة له ، ومن صفات الخالق الواحدية والصمدية ، ونفي الشبيه والمثل : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى : ١١] ، فالله عزوجل : «ليس له شبيه ولا كفيّ ، ولا مثيل ولا بديّ».
والإمام القاسم في إبطاله لدعوى الإلهية يجمع بين النقل والعقل ، في أسلوب واضح سلس ، بعيد عن الغموض واللبس ، وفي أدلة برهانية إقناعية ، تلزم الناظر فيها بالتسليم.
ويتنزه الله عزوجل أن يكون كصنعته في شيء ، وكل خلقه كان بلا علاج ، ولا أعياه خلق شيء منها ، وإنما أمره بين الكاف والنون ، وكل الدلائل تشهد أن الخالق واحد لم يلد ولم يولد (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤)) [الإخلاص : ٣ ـ ٤] ، وقد أنكر عزوجل عليهم أن يكون له ولد أو كان هو من والد ، إذ أن