لا يوجد من قال بنفي المؤثر في العالم جملة وتفصيلا.
وقال : إن القول بنفي المؤثر جملة يشبه مذهب السوفسطائية ، خلا أنه حدث جماعة من الورّاقين وضعوا مقالة لم يذهب إليها أحد قالوا : بأن العالم قديم ولا مؤثر فيه ، ونصر هذا القول المتزندق ابن الراوندي ، قال : وهكذا ذكر الفقيه حميد وابن الملاحمي.
قال : والذي عليه الجمهور أن الخلاف واقع فيه جملة كما أنه واقع فيه تفصيلا ، وأن من الناس من لم يثبت مؤثرا قط فقد روى نفي المؤثر عن الملحدة والدهرية والفلاسفة المتقدمين والطبائعية.
وقال القاضي : لم ينف الفلاسفة القدماء إلّا المؤثر المختار دون الموجب انتهى. «لنا» على حدوث العالم أدلة كثيرة عقلية وسمعية مثيرة لدفائن العقول معلومة لجميع العقلاء.
منها : «قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ ، وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (١).
«بيان الاستدلال بها : أمّا السموات والأرض» التي بدأ الله بذكرهما لكونهما أعظم المخلوقات في طريق الاعتبار وأبينها ولكونهما محلّا للّيل (٢) والنهار وغير ذلك «فإذا نظرنا في خلقهما فوجدناهما لم ينفكا عن إمكان الزيادة والنقصان» أي لم يفارقا إمكان الزيادة والنقصان أي يحكم العقل بأنه يمكن الزيادة فيهما والنقصان منهما لأنهما من جنس الزيادة والنقصان فكما جاز وجودهما ، ووقع كذلك الزيادة عليهما والنقصان منهما لا يستحيل إمكانه بل هو ملازم لهما «وكذلك التحويل والتبديل والجمع بينهما وتفريق كل منهما» أي يحكم العقل بأنهما لم ينفكا عن إمكان ذلك لأن الذي تعلّقت قدرته بإيجادهما
__________________
(١) البقرة (١٦٤).
(٢) (أ) محل الليل.