«وأما» ذكر الغشاوة في قوله تعالى : (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) (١) أي غطاء «و» الوقر في «قوله تعالى حاكيا» عن الكفار : (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) الحجاب في قوله تعالى : (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) (٢) فتشبيه لحالهم» أي فهو مجاز ، ووجه التّشبيه لحال الكفار «حيث لم يعملوا بمقتضى ما سمعوا» من الأوامر والنّواهي «وأبصروا» من الآيات الباهرة الدّالة على معرفة الله جل وعلا وعلى صدق رسله «ولا» عملوا «بنصيحة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم» لهم وإنذاره إيّاهم «بمن في أذنيه وقر» أي شبّه حالهم بمن في أذنيه وقر أي صمم فلا يسمع من دعاه (عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) (٣) أي غطاء «فلا يبصر شيئا وبمن بينه وبين الناصح حجاب لا تبلغ إليه نصيحته مع ذلك الحجاب» ووجه التشبيه عدم الانتفاع كما مر ولا وقر ولا غشاوة ولا أكنّة على الحقيقة وهو من المجاز على سبيل الاستعارة والتّمثيل وقد بسطته في الشرح.
«والتّزيين» في اللغة «التّحسين» يقال : زيّن عمله أي حسّنه قالت «العدلية : والله لا يزين المعاصي» لعباده ولا يحسنها لهم لأن تزيين القبيح وتحسينه قبيح «خلافا للمجبرة» فقالوا : زين الله تعالى عن ذلك : المعاصي وحسّنها للعاصين.
«قلنا : تزيين القبيح صفة نقص والله يتعالى عنها» أي عن صفة النقص.
«قالوا : قال الله تعالى : (كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) (٤) فنسب التزيين إليه تعالى؟
«قلنا : ردّا عليهم : «المراد من الآية : تزيين عملهم اللّائق بهم وهو المفروض والمندوب زيّنه الله تعالى بالوعد لهم بالثواب والسّلامة من العقاب ، فلم يقبلوا إلّا ما زيّنه لهم الشيطان من المعاصي كما قال تعالى : (وَإِذْ زَيَّنَ
__________________
(١) البقرة (٧).
(٢) فصلت (٥).
(٣) الجاثية (٢٣).
(٤) الأنعام (١٠٨).