«كالمطيعين» ممّن سبقنا بالطاعة فلم تعذبنا ولم لا تقبل توبتنا كما قبلتها ممن هو حي مثلنا ، وهذه حجة الأشقياء التي يتوهمونها على الله تعالى لو وقع الجزاء في الدنيا «ومع الفناء ثم البعث» أي مع فناء العالم ثم إعادته «يعلمون علما بتّا» أي علما لا شك فيه «لأجل فنائهم وإعادتهم أن الله حقّ» وأن ما وعد وأوعد به صدق وأن الفصل بين الدارين بالفناء جعل لتمييز الجزاء كما «قال تعالى (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ) (١) أي أطراف الدنيا ونواحي السماء من آيات قيام الساعة التي تتغير بها الأرض والسماء «وفي أنفسهم من الموت» ثم الحياة «حتى يتبيّن لهم أنه الحق» أي أن الله سبحانه هو الحقّ لا ريب فيه وأنه مجازيهم بما عملوا ، «و» يعلمون أيضا «أن الواصل إليهم جزاء» لهم على أعمالهم «قطعا» أي علما لا شك فيه «لإخبار الله إيّاهم (٢) بذلك» أي بالمجازاة «في الدنيا على ألسنة الرّسل» صلوات الله عليهم «ولإخبارهم أيضا في الآخرة به» أي بأنه جزاء» فيكون ذلك أعظم حسرة على العاصين وأتمّ سرورا للمثابين مع انتفاء حجة الأشقياء على الله تعالى» لما شاهدوه من الفصل بين الدارين فلا يمكنهم المساواة بين من تاب قبل موته ، وقبل مشاهدة العذاب ومن تاب بعده حين مشاهدة العذاب «ولأنّ الآخرة دار جزاء لا دار عمل» فثبت بجميع ما ذكرناه حسن فناء العالم ثم الإعادة «والله أعلم».
(فصل)
في ذكر الرزق
الوجه في ذكره أنه من أفعال الله سبحانه وتعالى الدالة على عدله وحكمته وفيه مصالح الخلق ومنافعهم فهو من أصول النعم التي تفرد الله تعالى بخلقها.
قالت «العدلية» جميعا : «والرزق» هو «الحلال من المنافع» وهو كل ما ينتفع به من الأموال وغيرها كالعقل والقوّة والجوارح «والملاذ» من مأكول ومشروب ومنكوح ومشموم ونحو ذلك ، دون الحرام فلا يسمّى رزقا.
__________________
(١) فصلت (٥٣).
(٢) (ض) لهم.