العالم لا يخلو من أن يكون محلّا لغيره أو حالّا في غيره ، فالمحل هو الجسم والحالّ هو العرض ، والعرض صفة والجسم موصوف ، ومن المعلوم بالمشاهدة استحالة وجود جسم خال عن عرض ووجود عرض لا في محلّ «خلافا لبعض أهل الملل الكفرية» وهم الدّهرية بفتح الدال نسبة إلى الدهر لقولهم بقدمه ، والدهر هو حركات (١) الأفلاك.
فأما الدّهري بضم الدال فهو الرجل الذي كبر سنّه وتطاول عليه الدهر ، وكلامهم في قدم العالم إنما هو في الأجسام أنفسها وأما تراكيبها فلا خلاف في حدوث الأكثر منها.
وقال القرشي : اتفق الناس على أنه لا بد للعالم من مؤثر ما.
ثم اختلفوا :
فقال أهل الإسلام والكتابيون والبراهمة وبعض عباد الأصنام : إنه فاعل مختار ، وبه قالت المطرفية لكن زعموا أنه لا يؤثّر إلّا في الأصول الأربعة التي هي : الهواء والماء والأرض والنّار.
قال : وقال أهل الإلحاد : إنه موجب ثم اختلفوا :
فقال أهل النجوم : التأثير لها ولحركاتها فقط ولم يثبتوا غير ذلك.
وقالت الدهرية : التأثير للدهر وهو قريب من الأول إذ المرجع بالدهر إلى حركات الأفلاك.
وقال الطبائعية بالطبع.
وقالت الباطنية : إنّ ذات الباري تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، علّة قديمة صدر عنها السّابق ، وصدر عن السّابق التّالي وعن التالي النفس الكلية.
وقالت الفلاسفة : المؤثر في العالم علّة قديمة صدر عنها عقل واحد ثم تكثّر هذا العقل. إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة التي هي سبب لكل غال ومنها تفرعت كل بدعة باطلة.
قال في المعراج : ومثل ما ذكره القرشي ذكره قاضي القضاة حيث قال :
__________________
(١) (ض) حركة.