__________________
(نعم) يرد على قول الأشعرية إنه لا يجب النظر لمعرفة الله وصدق الرسل إلّا بالسمع وذلك بالأمر بذلك سؤال وهو أن يقال :
ما الوجه في ثبوت وجوب الفعل المأمور به من نظر وغيره لا يصحّ أن تكون صيغة الأمر مقتضية وموجبة لصفة الفعل وهي وجوبه وتسمية الوجوب صفة بالمعنى الأعمّ وإلّا لثبت الوجوب لأمر بعضنا لبعض بحيث يترتب على عدم الامتثال استحقاق الذمّ والعقاب والمعلوم خلافه.
فإن قيل ـ : المالك المنعم هو العلة في ثبوت الوجوب للفعل مع الأمر منه فالوجوب صفة للفعل ولا يصحّ أن تكون ذات المالك المنعم مؤثرة في صفة للغير الذي هو الفعل ، وإن أردتم أن كونه مالكا ومنعما صفتان له اقتضتا صفة للفعل فكذلك لا يصحّ إذ الصفة لا توجب صفة إلّا لموصوفها.
وإن أردتم لو لم يكن الفعل واجبا على المكلف للزم منه كفر المنعم بالتصرف في ملكه مع المنع منه وكونه منعما يرد عليكم أنه لا يؤثر ذلك في الصفة إذ لا يدرك العقل على قولكم حسنا ولا قبيحا فلا يدرك قبح كفر النعمة فكيف يكون مؤثرا في صفة الفعل فلا وجه يقتضي ثبوت الصفة للفعل إلّا من حيث أن العقل يدرك قبح كفر النعمة ، وإذا كان لا يمكن الخروج من دائرة قبح كفر النعمة إلّا بفعل المأمور به فهو المثبت للصفة التي هي الوجوب لأنّ ترك القبيح واجب ولا يتم إلّا بفعل المأمور به ، أمّا إذا لم يدرك العقل قبح كفر النعمة فلم يبق وجه لإثبات صفة للفعل وهي الوجوب فلا معنى ولا وجه لقولكم : إنّما يجب سمعا مع إصراركم أن العقل لا يدرك حسنا ولا قبيحا.
واعلم : أن أحكام الفعل غير مقدورة بل ثابتة لذاتها فقبح الظلم لذاته والكذب كذلك ، وحسن العدل والتفضّل لذاتيهما وإلّا لو كان لغيرهما لأمكن تغييرهما بجعل الظلم حسنا والعدل والتفضّل قبحا ، والعقل يحيل ذلك لكونه من قلب الحقائق وهو محال.
فإن قالت الأشعرية : إنّ قبح كفر النعمة لنهي الشارع : عاد السؤال في النهي كما ذكرنا في الأمر وهو : أن صيغة النهي عن الفعل لا توجب حرمته وإلّا لزم في الشاهد والمعلوم خلافه.
وإن قالت : الموجب للحرمة المالك المنعم عند إطلاقه لصيغة النهي