__________________
قد أسأنا إليه لتصرفنا بجوارحنا المملوكة له فيما نهانا عنه إمّا نهيا صريحا أو ضمنيا ، والإساءة إلى المنعم تقبح بالضرورة ولا يمكن الخروج من الإساءة إلّا بالامتثال فوجوبه للخروج من دائرة الكفران والخروج واجب وما لا يتم الواجب إلّا به يجب كوجوبه فوجوب الأفعال المأمور بها كالعبادات من هذا الوجه وهو أنه لا يمكن ترك الكفر إلّا بفعلها.
وأما كون طاعة الباري شكرا : فلأنه قد ثبت أنها شرعت لما يترتب عليها من الثواب ، فمن سارع إلى موافقة غرض المنعم فقد أحسن وشكر ، ففي حق الباري بالامتثال وقد عدّه الله إحسانا حيث قال : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ).
والغرض في حق الله غرض حكمة وهي إرادة الإحسان إلينا بواسطة التكليف ولذا في الحديث القدسي ، قال تعالى : «يا عبدي : خلقتك لتربح عليّ لا لأربح عليك».
إذا تأملت ما ذكرناه تبين لك أن الشكر والكفر في حق الباري نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان وهما في الشاهد ضدان قد يرتفعان.
وعرفت ضعف القول : بأن الله أرسل الرسل لبيان تأدية شكره وأنه الغرض المقصود الأصلي ، بل كلفهم ليترتب عليه الإحسان المقصود بخلقهم فالشكر عارض من جهة ما ذكرناه آنفا وليس هو الغرض الأصلي للباري فهو الغني الحميد.
واعلم : أن قول العدلية : بالواجب العقلي نحو الشكر ورد الوديعة ليس الوجوب في ذلك لذاته بل لغيره.
وأمّا الشّكر : فهو لما ذكرناه آنفا ، وأما ردّ الوديعة : فلأنّ حبسها ظلم وهو قبيح ضرورة فترك الظلم واجب ولا يتم إلّا بالردّ وما لا يتم الواجب إلّا به يجب كوجوبه.
(نعم) قد حكي عن الرازي أنه أقسم أنه لا يعلم بعقله وجوب شكر المنعم ، فإن أراد بذلك في الشاهد فلا بأس به لأنه إنما يعرف بالعقل حسنه ، وإن أراد ولو في حق الباري فإن أراد أنه لا يعلم وجوبه بالأصالة فلا بأس أيضا ، وإن أراد ولو بالتبع فالقسم حنث لما قررناه آنفا فليتأمل.