__________________
المنعم معروفا ، أمّا إذا كان مجهولا فلا يقضي العقل بوجوب النظر لمعرفته ، (نعم) وإذا كان معروفا وتتابع إنعامه على أحد واحتاج المنعم إليه واضطر فلا يبعد أن العقل يقضي بوجوب مكافأته وسدّ خلته مع الإمكان وإلّا استحق اللوم والذمّ.
فلا يصحّ القول : بأن وجه وجوب النظر لمعرفة الباري لوجوب شكره مع الجهل به إذ يلزم منه الدور كما لزم الأشعرية لأنّ حقيقة النعمة هي : المنفعة الموصلة إلى الغير لمجرد التفضّل والإحسان ، فخرج المنفعة لغرض المكافأة إذ هي في حكم المعاوضة ، وخرج المنفعة المقصود بها الاستدراج للوقوع في الضرر.
فالمنافع الواصلة إلى العباد محتملة للثلاثة الأوجه : إمّا مجرد الإحسان أو لغرض المكافأة أو للاستدراج إلى الضرر ، فلا يعرف كون المنافع الواصلة إلى العباد نعما إلّا بعد معرفة الموصل لها وأنه لم يقصد بها العوض ولا الوقوع في الضرر بل مجرد الإحسان.
فقد توقف معرفة كون المنافع نعما على معرفة الله تعالى وأنه العالم على الإطلاق والغني كذلك ، وأنه الموصل إلينا هذه المنافع لمجرد التفضّل والإحسان لا للمكافأة لغناه وعدم حاجته إليها ، ولا بقصد الضرر إذ هو يكون ظلما وهو قبيح ضرورة فثبت كونها نعما.
وتوقف وجوب معرفة المنعم على الشكر المتوقف على النعم المتوقفة على معرفته فقد توقف وجوب معرفته على معرفته وهذا من توقف الشيء على نفسه وهل هذا إلّا الدور؟
فإن قيل : قد مرّ أن صيغة الأمر والنهي لا يفيدان الوجوب والحرمة على المأمور والمنهي وإن كان الآمر الناهي منعما فما وجه وجوب امتثال أمر الله ونهيه؟ وما وجه كون الامتثال شكرا مع أنه قد تقرر عند أهل العدل أنه ما خلق المكلف إلّا ليعرضه بالتكليف على منافع سنيّة ومراتب عليّة ، وقد ثبت أن طلب المنفعة لا يجب؟
قلنا ـ : أما وجه وجوب الامتثال : فلأنه قد ثبت كونه منعما على العباد ومالكا لهم ، وثبت أن للأمر بالشيء نهي عمّا يمنع منه ، فإن امتثلنا فذاك وإلّا كنّا