«التمكين» أي تمكين المالك وهو الله تعالى «من أملاكه» لنا «مع خلق العقل» فينا «المميّز» لما يؤخذ منها وما يترك «إذن» منه تعالى لنا بالتصرف في أملاكه والأخذ بما علمنا حسنه بالعقل والترك لما علمنا قبحه بالعقل لعلمنا أن الله سبحانه ما خلق الأرض وما عليها إلّا لمصالح المخلوقين وكان ذلك «كالممكّن من أملاكه» أي صار فعل الله سبحانه كفعل الممكّن من الناس أملاكه لغيره بأن بسطها لهم على جهة الإباحة «الناصب للعلامة» البينة «فيما يؤخذ منها» أي من أملاكه «وما يترك» منها وذلك بأن ينصب حاجزا بين الذي أذن في أخذه والذي لم يأذن فيه ، أو أي أمارة يفهمها المباح له ، فيعلم (١) حينئذ قطعا حسن الانتفاع بما نصب عليه قرينة الإباحة ، وقبح الانتفاع بما نصب عليه قرينة المنع من الانتفاع به ، وقد أرشد الله سبحانه إلى ذلك حيث «قال : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها): أي كل فحش وقبيح (وَتَقْواها) (٢) أي ما يقيها من السوء ويزلفها من الخير وهو كل حسن وبرّ.
وقوله تعالى : (فَأَلْهَمَها) «أي بما ركّب فيها من العقول» : الهادية إلى الرشاد والذّائدة لمن استعملها عن الضلال «ولم يفصل» تعالى بين إلهام الحسن في ملائمة الطبع وفي صفة الكمال والقبح (٣) في منافرة الطبع وصفة النقص ، وبين إلهام الحسن فيما يتعلق به في الآجل ثواب ، والقبح (٤) فيما يتعلق به في الآجل عقاب.
فإن قالوا : هذا الاحتجاج (٥) بمحل النزاع فإنّا لا نقول إن العقل يميز بين ما يؤخذ وما يترك.
قلنا : هو إنكار للضرورة فلا يضرنا ، ثم قد أكد قولنا الشرع حيث قال تعالى : (فَأَلْهَمَها) والإلهام لا يكون بتصريح الكلام «قالوا» : أي الأشعرية ومن وافقهم من منكري التحسين والتقبيح العقليين «قال تعالى : (وَما كُنَّا
__________________
(١) في (ض) فنعلم.
(٢) الشمس (٨).
(٣) (ض) والقبيح.
(٤) (ض) والقبيح.
(٥) في (ب) احتجاج.