وقال جمهور المعتزلة : إن المؤثر في الإعدام طروّ ضدّ للأجسام يسمّى الفناء ولا محل له.
وقال بعض الأشعرية وبعض المعتزلة : بل إنما كانت الأجسام باقية ببقاء قائم فيها وذلك البقاء غير باق بل يخلقه الله تعالى حالا بعد حال فإذا لم يخلق الله ذلك عدمت الجواهر.
وبعضهم قال : إن الجواهر باقية ببقاء لا في محل وهو يحكى عن بشر بن المعتمر.
ومنهم من قال غير ذلك.
ولا حاجة إلى الاشتغال بذكر هذه الأقوال الباطلة التي لا دليل عليها من عقل ولا سمع.
قال الإمام يحيى عليهالسلام : وتوقف بعض المتكلمين من المعتزلة والجويني من الأشعرية في صحة إعدام الأجسام وفي إنكارها.
قلت : وقد بسطت في هذا الموضع من أقوالهم وغيرها في الشرح وظاهر كلام القاسم عليهالسلام والهادي والمرتضى عليهماالسلام أن فناء العالم هو تبديده وتمزيقه وتركيبه على غير هيئاته التي كان عليها لأنه يعدم وإن كان ذلك جائزا من جهة العقل (ابتداء) لأن الله على كل شيء قدير ، وقد نقلت أقوالهم بلفظها في الشرح.
والحق أن إعدام الأجسام وتصييرها عدما محضا جائز صحيح من جهة الفاعل المختار وهو الله رب العالمين ولا استحالة فيه كما زعمه الجاحظ ومن معه ، ولا يلزم منه محذور ولا جور كما سبق تقريره.
وأما وقوع ذلك فموكول إلى دليل السّمع فما صحّ منه فهو المتّبع والله أعلم «ووجه حسنه» أي حسن فناء العالم «التفريق» أي التفرقة «بين دار الامتحان» وهي دار الدنيا «ودار الجزاء» وهي الدار الآخرة لأن دار الدنيا دار تكليف وعمل وامتحان ، ودار الجزاء هي دار المجازاة بالثواب والعقاب ولا تكليف فيها ، فهما كالمتضادين فلا بد من التفرقة بينهما.