«قلنا» ردّا على الجاحظ ومن تبعه : انتفاء العالم وإعدامه لمؤثر مختار وهو الله سبحانه وتعالى كما ابتدعه واخترعه من لا شيء كذلك يعيده نفيا محضا ولا شيء حينئذ إلّا الله الواحد القهار.
ولا محال يلزم من ذلك «كذهاب المصباح والسّحاب» لأن ذلك يصير نفيا محضا عدما بعد كونه جسما وذلك مشاهد بالضرورة «فليس» ما ذهبنا إليه من إعدام العالم «بمحال».
فإن قالوا : إن أجزاء المصباح والسّحاب لم تصر عدما وإنما تفرقت وتبدّدت في الآفاق.
قلنا : هذا خلاف المعلوم بالضرورة وليس خلق الأجسام من العدم المحض بأعجب من إرجاعها إلى العدم المحض.
«و» مما يدل على ذلك من السمع «قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) ... (١) الآية ، فمعنى الأول أنه تعالى المنفرد بالأوّلية أي كان ولا كائن غيره تعالى اتفاقا ، فكذلك يكون معنى قوله تعالى : (وَالْآخِرُ) أي المتفرد بالآخريّة أي الباقي بعد فناء كل شيء وإعدامه.
ولو كان الفناء بمعنى التّبديد والتفريق لما صدق عليه قوله تعالى إنه الآخر أي المنفرد بالآخريّة لأنه قد شارك في هذه الصفة الأجسام المتبدّدة.
ولنا قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) (٢) ولا تعقل الإعادة إلّا بعد الإعدام.
وقوله تعالى : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) (٣) وكان الابتداء عن عدم فكذلك تكون الإعادة عن عدم وغير ذلك.
«و» لنا ما ذكره علي عليهالسلام «في النهج» أي نهج البلاغة في خطبة
__________________
(١) الحديد (٣).
(٢) الروم (٢٧).
(٣) الأنبياء (١٠٤).