فأطرق ساعة فقال : لا بدّ من دار غير هذه الدار يجزى فيها المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
وأما الشيخ أبو علي ومن تبعه فإن الوجه عنده أنه يقول : إن العقل يجوّز أن يكون للأجسام ضدّ يخلقه الله لفنائها وإعدامها ، لأنه من جملة من يقول : إن الفناء عرض يخلقه الله لإعدام الأجسام كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وأما كيفية فناء العالم : فإن الله سبحانه يفنيه «ويعدمه» كأن لم يكن وهذا كما تراه حكاه الإمام عليهالسلام عن جمهور أئمة أهل البيت عليهمالسلام وغيرهم وهو قول أبي علي وأبي هاشم وغيرهم.
وقال «الجاحظ والملاحميّة وبعض المجبرة» وهم الكرّاميّة «محال» إعدامه.
وإنّما الفناء عندهم بمعنى التّمزّق والتّغيّر والتّبدّد ، والذي حكاه الإمام يحيى عليهالسلام من استحالة إعدام العالم عن الجاحظ والكرامية فقط.
قال : واحتجوا بأن العالم لو انتفى لكان انتفاؤه لا يخلو إمّا أن يكون لمؤثّر أو لا ومحال أن يكون انتفاؤه لا لمؤثّر وذلك معلوم بالضرورة.
وإن كان انتفاؤه لمؤثر فلا يخلو إمّا أن يكون موجبا أو مختارا ، ومحال أن يكون موجبا لأنّ ذلك الموجب ليس إلّا طروّ ضدّ وهو الفناء والقول به باطل لأنه لا طريق إلى كون الفناء معنى مضادّا للجوهر فيجب نفيه ، ولأن التضاد حاصل من كلا الجانبين ، وكل واحد منهما قابل للعدم فليس انتفاء الجوهر بالفناء أولى من العكس.
فيجب : إمّا انتفاؤهما جميعا وهذا محال ، وإمّا أن يكونا موجودين معا مع تضادهما وهذا محال أيضا ، أو ينتفي أحدهما دون الآخر وهو محال أيضا ، إذ لا مخصّص فبطل أن يكون المؤثر في عدم العالم وانتفائه أمرا موجبا.
قال : ومحال أن يكون المؤثر في فناء العالم مختارا لأن الفاعل لا بدّ له من فعل يؤثر فيه ، والإعدام ليس أمرا ثبوتيّا بل هو نفي محض فاستحال إسناده إلى الفاعل.