وانبعاث القوة الهاضمة للطعام وتنفيذ الغذاء إلى الأعضاء بل (١) كان الحرص يحمل بعض الناس من أهل الحرص على مداومة العمل ومتابعته لتكثر منافعهم واكتسابهم فيضر ذلك بقواهم وبأجسادهم ، فإن كثيرا من الناس لو لا جثوم هذا الليل عليهم بظلمته لما هدءوا عن العمل رغبة في الكسب ولا قرّوا وربّما أداهم ذلك إلى التلف.
ثم كانت الأرض تحمى بدوام شروق الشمس عليها واتصاله بها حتى يحرق (٢) كل ما عليها من حيوان ونبات إلى غير ذلك من المصالح والمنافع فصار النور والظلمة على تضادهما متعاقبين على مصلحة الخلق وقوام العالم ومنفعتهم.
وأما منافع ما بثّ الله سبحانه في الأرض والسماء من الخلق العجيب من صنوف الحيوانات وأنواع الثمار والنبات ومسير الشمس والقمر في البروج وتعاقبهما فوجه الحكمة فيه واضح ، وسبوغ النعمة فيه للمخلوقين ظاهر لأولي البصائر ، وجميع ذلك لا يكون إلّا بتدبير مدبّر حكيم مختار وهو الله جل وعلا شأنه «فتبارك الله أحسن الخالقين» «ولزم تقدمه» أي ذلك الفاعل «ضرورة عدم اختياره وعدم صحة كونه فاعلا لو لا تقدمه» أي لأجل أنه يعلم بضرورة العقل أنه لو لم يتقدم الفاعل على فعله لكان غير مختار وغير فاعل وقد ثبت كونه فاعلا مختارا فثبت تقدمه.
«وأيضا هما» أي السموات والأرض وهذا دليل ثالث «كالمبنيات» من الدور والقرى مما يعمله (٣) البشر ويضم بعضه إلى بعض «إذ لم تثبت (٤) الزيادة والنقصان والتحويل والتبديل والجمع والتفريق في المبنيات إلّا لأنها محدثة» مقدورة لقادر متقدّم عليها إذ لو كانت قديمة لاستحال الإمكان فيها.
«والفارق» بين السموات والأرض والمبنيات التي يبنيها البشر في وجه العلّة «معدوم» ودليل القياس العقلي مفيد للعلم وهو الحجة العظمى التي احتج
__________________
(١) (ض) ثم كان.
(٢) (أ) تحرق.
(٣) (ض) يفعله.
(٤) (أ) تمكن.