تقدم ، فثبت أنه أي الاختلاف المذكور لفاعل قادر حيّ مختار حكيم عليم.
وأيضا : فإنا وجدنا في تضادّ الظلمة والنور واختلاف الليل والنهار من الحكمة الباهرة والنعمة الشاملة لجميع الخلق (١) البالغة ما يضطر ذوي العقول أن ذلك لفاعل مختار قاصد للحكمة والنعمة.
وإذا تأملت العالم وجدته كالبيت المبني المعتد فيه جميع عتاده فالسماء مرفوعة كالسقف والأرض ممدودة (٢) كالبساط والنجوم منضودة معلّقة كالقناديل ، والجواهر مخزونة في معادنها التي جعلت لها كالخزائن والإنسان كالملك المخول لجميع ما في البيت من ضروب النبات والحيوانات وهي مهيأة كلها مصروفة في مصالحه معدّة لمنافعه.
فكّر في لون السماء وما فيه (٣) من صواب التدبير فإن هذا اللون أشد الألوان موافقة للبصر وأعون على تقويته.
ألا ترى أن من صفات الأطباء لمن أصابته آفة أضرّت ببصره : أن يدمن الاطلاع في الماء والخضرة ويجعل تلقاء عينيه إجّانة خضراء فيها ماء فانظر كيف جعل أديم السماء بهذا اللون الأخضر الذي يضرب إلى سواد ليمسك البصر المتقلب فيه المدمن على رؤيته.
فكّر في طلوع الشمس وغروبها لإقامة دولتي الليل والنهار فلولا طلوعها لبطل أمر العالم كله ، فكيف كان الناس يسعون في معايشهم ويتصرفون في أمورهم والدنيا مظلمة عليهم ، وكيف كانوا يتهنئون الحياة (٤) مع فقدهم النور ولذته وروحه (٥) ، فالأرب في طلوعها ظاهر يستغني بظهوره عن الإطناب فيه.
ولكن تأمل المنفعة في غروبها فإنه لو لا غروبها لم يكن للناس هدوء ولا قرار ولا راحة مع عظم حاجتهم إلى ذلك لراحة أبدانهم وجموم حواسهم
__________________
(١) (ض) الخلائق.
(٢) (ض) مبسوطة.
(٣) (أ) فيها.
(٤) (أ) بالحياة.
(٥) (ض) وروحته