ثم يقول : انك لم تنسه أبدا من رحمتك مذ كان جنينا في بطن أمه ، بل سبق الاحسان منك إليه من قبل أن يصعد منه أليك عمل ، فأجريت عليه رزقه من غذاء أمه ، وحفظته في مستقره ، ولم يزل يتوالى عليه احسانك ، فكنت المحسن في البدء والمحسن في الختام ، فكنت أحق بالثناء الحسن الجميل من عبدك الجاني الظلوم الجهول ، وأنت أحق أن تغفر لعبدك ما ارتكب من زلات ، وأكرم من أن تضيعه بين فواتح وخواتم ، بل تعامله في البين بما عاملته به في البدايات والنهايات ، وأنت العليم بعبدك وقد خلقته من التراب الذي هو أضعف عناصر المخلوقات فكلها من الماء والهواء ، والنار تعلو عليه وهو يميل الى الهبوط والتسفل والاستقرار والثبات ، وقد علت النار التي خلق منها الجان على التراب الذي خلق منه آدم ، حتى إبليس عليه اللعنات أنه خير منه ، فاستكبر عن السجود له وعارض أمر ربه وقال (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [الأعراف : ١٢].
ثم سعى الى الأبوين بالفتنة وحملهما على ارتكاب الزلة حين أغراهما بالأكل من الشجرة ، وخيل إليه أنه أهلكهما هلاكا لا قيامة لهما بعده ، وأنه صيرهما بالغواية والمعصية تحته ، ولكن أدركتهما رحمة الله فجبرت كسرهما وداوت جرحهما وعلت بهما الى مكان العزة والكرامة ، فعاد اللعين مغيظا مخنقا يمنى نفسه أن يدرك من الأبناء ما فاته من الآباء (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) [سبأ : ٢١].
* * *
هذا ونحن بنوهما وحلومنا |
|
في جنب حلمهما لدى الميزان |
جزء يسير والعدو فواحد |
|
لهما وأعدانا بلا حسبان |
والضعف مستول علينا في جميع جها |
|
تنا سيما من الإيمان |
يا رب معذرة أليك فلم يكن |
|
قصد العباد ركوب ذا العصيان |