الكلم ، امّا تغييره في اللّفظ بزيادة أو نقصان كما روى في كثير من الآيات ، وامّا صرفه عن مفهومه ، وامّا صرفه عن مصداقه الّذى وضعه الله أو الرّسول (ص) فيه ، والمعنى يحرّفون الكلم عن مواضعه من بعد ثبوته في مواضعه وكأنّ المنظور بهذا اللّفظ الاشارة الى كلم ولاية العهد من الله من قوله : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) (الآية) فانّه لم يكن خلاف في انّ موضعه علىّ (ع) ، ومن الرّسول (ص) بقوله : من كنت مولاه فعلىّ مولاه ، فانّه لم يكن خلاف في انّه ولاية العهد ولعلىّ (ع) (يَقُولُونَ) اى المسارعون في الكفر أو القوم الآخرون (إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ) يعنى ان أوتيتم ايّها الموافقون في طريقتنا هذا الّذى قلناه فخذوه (وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ) بل أوتيتم غيره (فَاحْذَرُوا) من قبوله ، وقد ذكر في سبب نزولها انّها نزلت في محاكمة يهود خيبر الى النّبىّ (ص) ومحاكمة ابن صوريا للنّبىّ (ص) وقد ذكر أيضا انّه كان بين بنى قريظة وبنى النّضير كتاب وعهد على انّه إذا قتل رجل من بنى قريظة رجلا من بنى النّضير ادّوا القاتل إليهم ليقتل ، والدية كاملة لانّ بنى النّضير كانوا أقوى حالا وأكثر مالا من بنى قريظة ، وإذا قتل رجل من بنى النّضير رجلا من بنى قريظة ادّوا القاتل إليهم ليركبوه على جمل ويولّى وجهه الى ذنبه ويلطخ وجهه بالحمأة ويدفع نصف الدّية إليهم ، فقتل بعد مقدم النّبىّ (ص) رجل من بنى قريظة رجلا من بنى النّضير فطلبوا القاتل والدّية على العهد الّذى كان بينهم ، فأبى بنو قريظة وقالوا : هذا محمّد (ص) بيننا وبينكم فهلّموا نتحاكم اليه ، فمشوا الى عبد الله بن ابىّ وكان حليفا لبني النّضير وقالوا له : سل محمّدا (ص) ان لا ينقض عهدنا على بنى قريظة ، فذهب عبد الله بن ابىّ اليه وقال له مثل ما قالوا ، فنزل جبرئيل وقال : يحرّفون الكلم الّذى في التّوراة من بعد مواضعه ، الآية (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) حتّى تقدر على منع فتنته وإصلاحه (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) من الارجاس الّتى هي سبب الكفر والعقوبة (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) بالقتل والأسر والجزية والاجلاء وإظهار نفاق المنافق وتفضيحه وخوفهم جميعا من المؤمنين (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) تكرار السّماع للكذب لابداء العلّة في الخزي والعذاب ، والسّحت كلّ حرام من الرّشى في الحكم وكلّ ما لم يأذن الله في طريق تحصيله من ثمن الميتة والخمر وأجر البغيّة وأجر الكهانة وأكل مال اليتيم والرّبا بعد البيّنة وفي بعض الاخبار وامّا الرّشى في الحكم فانّ ذلك الكفر بالله العظيم ، وفي بعض الاخبار من ذلك قبول هديّة على قضاء حاجة أخيه المؤمن ، وفي بعض الاخبار عدّما أخذ من حقّ بمحاكمة الطّاغوت سحتا (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) يعنى إذا جاءك اليهود للمحاكمة فأنت مخيّر بين قبول محاكمتهم والاعراض عنهم (وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً) يعنى ان حكمت بينهم فلا يكن محاكمتك عن خوف منهم واستمالة لهم لانّك ان تعرض عنهم فلن يضرّوك شيئا حتّى يكون إقبالك عليهم من خوف ضرر منهم (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) يعنى ينبغي ان يكون حكمك بما أمرك الله به من القسط لا بما هم عليه من الكفر وعدم الحرمة (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) في المؤمن والكافر (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ) يعنى انّهم ان رضوا بحكم الله لا يلجأوا الى حكمك لانّهم أهل كتاب الله (وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) التّحكيم عن حكمك لعدم موافقته لرأيهم وان كان موافقا لحكمهم ، أو ثمّ يتولّون عن التّوراة