سكك المدينة ، لم يقل لأحد : الطريق ، وكان يقول : الطريق مشترك ليس لي أن أنحّي عنه أحدا.
وروي أنّ هشام بن عبد الملك حجّ قبل الخلافة ، فكان إذا أراد استلام الحجر زوحم عليه ، وكان عليّ بن الحسين إذا دنا من الحجر تفرّقوا عنه إجلالا له ، فوجم لذلك هشام وقال : من هذا فما أعرفه؟ وكان الفرزدق واقفا فقال :
هذا الّذي تعرف البطحاء وطأته |
|
والبيت يعرفه والحلّ والحرم |
هذا ابن خير عباد الله كلّهم |
|
هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهر العلم |
إذا رأته قريش قال قائلها |
|
إلى مكارم هذا ينتهي الكرم |
يكاد يمسكه عرفان راحته |
|
ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم |
يغضي حياء ويغضى من مهابته |
|
فلا يكلّم إلّا حين يبتسم |
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله |
|
بجدّه أنبياء الله قد ختموا (١) |
وهي طويلة مشهورة ،
فأمر هشام بحبس الفرزدق ، فحبس بعسفان (٢).
وبعث إليه عليّ بن الحسين باثني عشر ألف درهم ، وقال : أعذر أبا فراس ، فردّها وقال : ما قلت ذلك إلّا غضبا لله ولرسوله ، فردّها عليّ وقال : بحقّي عليك لما قبلتها فقد علم الله نيّتك ورأى مكانك ، وقبلها.
وهجا هشاما بقوله :
أيحبسني بين المدينة والّتي |
|
إليها قلوب النّاس يهوي منيبها |
يقلّب رأسا لم يكن رأس سيّد |
|
وعينين حولاوين باد عيوبها (٣) |
__________________
(١) الخبر والأبيات في الأغاني ٢١ / ٣٧٦ ـ ٣٧٧ مع تقديم وتأخير في الأبيات ، وكذلك في حلية الأولياء ٣ / ١٣٩ ، وصفة الصفوة ٢ / ٩٨ ـ ٩٩ ، والبداية والنهاية ٩ / ١٠٨ ـ ١٠٩ ، وديوان الفرزدق ٢ / ٨٤٨ ـ ٨٤٩ ، وأمالي المرتضى ١ / ٦٧ ـ ٦٨.
(٢) عسفان : بضم أوّله وسكون ثانيه. منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة. (راجع معجم البلدان ٤ / ١٢١ ، ١٢٢).
(٣) البيتان في الأغاني ٢١ / ٣٧٨ وفيه «وعينا له حولاء ...» ، وأمالي المرتضى ١ / ٦٩ ، وفي ديوان الفرزدق ١ / ٥١ ولفظهما :
يرددني بين المدينة والتي |
|
إليها قلوب الناس يهوي منيبها = |