أدركت حجر أزواج النّبيّ صلىاللهعليهوسلم من جريد النّخل ، على أبوابها المسوح من شعر أسود ، فحضرت كتاب الوليد يقرأ بإدخال الحجر في المسجد ، فما رأيت باكيا أكثر باكيا من ذلك اليوم ، فسمعت سعيد بن المسيّب يقول : لو تركوها فيقدم القادم من الآفاق فيرى ما اكتفى به رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حياته.
وعن عمران بن أبي أنس قال : ذرع السّتر الشعر ذراع في طول ثلاثة.
وفيها كتب الوليد ، وكان مغرما بالبناء ، إلى عمر بن عبد العزيز بحفر الأنهار بالمدينة ، وبعمل الفوّارة بها ، فعملها وأجرى ماءها ، فلمّا حجّ الوليد وقف ونظر إليها فأعجبته (١).
وقال عمر بن مهاجر ـ وكان على بيت مال الوليد ـ : حسبوا ما أنفقوا على الكرمة التي في قبلة مسجد دمشق ، فكان سبعين ألف دينار.
وقال أبو قصيّ إسماعيل بن محمد العذريّ : حسبوا ما أنفقوا على مسجد دمشق ، فكان أربعمائة صندوق ، في كلّ صندوق ثمانية وعشرون ألف دينار.
قلت : جملتها على هذا : أحد عشر ألف ألف دينار ونيّف.
قال أبو قصيّ : أتاه حرسيّه فقال : يا أمير المؤمنين تحدّثوا أنّك أنفقت الأموال في غير حقّها ، فنادى : الصلاة جامعة ، وخطبهم فقال : بلغني كيت وكيت ، ألا يا عمر قم فأحضر الأموال من بيت المال. فأتت البغال تدخل بالمال ، وفضّت في القبلة على الأنطاع ، حتّى لم يبصر من في القبلة من في الشام (٢) ، ووزنت بالقبابين ، وقال لصاحب الدّيوان : أحص من قبلك ممّن يأخذ رزقنا ، فوجدوا ثلاثمائة ألف في جميع الأمصار ، وحسبوا ما يصيبهم ، فوجدوا عنده رزق ثلاث سنين ، ففرح الناس ، وحمدوا الله ، فقال : إلى أن تذهب هذه الثلاث السّنين قد أتانا الله بمثله ومثله ، ألا وإنّي رأيتكم يا أهل دمشق تفخرون على الناس بأربع : بهوائكم ، ومائكم ، وفاكهتكم ، وحمّاماتكم ،
__________________
(١) تاريخ الطبري ٦ / ٤٣٧ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٥٣٣.
(٢) أي من في الشمال.