فاستثره لي ثم ائتني بعلمه وعقله ، فأتيته ، فجاء غلامه فقال : قد أخلينا الحمّام ، فقلت : الحمّام لك؟ قال : لا ، قلت : فما دعاك إلى أن تطرد عنه غاشيته وتدخل وحدك فتكسر على الحمّاميّ غلّته ، ويرجع من جاءه متعنّيا! قال : أمّا صاحب الحمّام فإنّي أرضيته ، قلت : هذه نفقة سرف يخالطها كبر. قال : يمنعني أنّ الرّعاع يدخلون بغير إزار وكرهت أدبهم على الإزار فقد وعظتني موعظة انتفعت بها فاجعل لي من هذا فرجا ، فقلت : ادخل ليلا ، فقال : لا جرم لا أدخله نهارا ولو لا شدّة برد بلادنا ما دخلته ، فأقسمت عليك لتكتمنّ هذه عن أبي فإنّي معتبك ، قلت : فإن سألني : هل رأيت منه شيئا ، أتأمرني أن أكذب وإنّما أبغي عقله مع ورعه؟ فقال : معاذ الله ، ولكن قل : رأيت عيبا ففطّنته ، له ، فأسرع إلى ما أحببت ، فإنّه لن يسألك عن التفسير ، لأنّ الله قد أعاذه من بحث ما ستر الله.
وقال يعلى بن الحارث المحاربي : سمعت سليمان بن حبيب المحاربي قال : جلست مع عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ، فقلت : هل خصّك أمير المؤمنين أو جعل لك مطبخا أو كذا؟ فقال : إنّي في كفاية ، ويحك يا سليمان إنّ الله قد أحسن إلى أمير المؤمنين ، وتولّاه فأحسن معونته منذ ولّاه ، والله لأن تخرج نفس أمير المؤمنين أحبّ إليّ من أن تخرج نفس هذا الذّباب ، قلت : سبحان الله ، فقال : هو في نعم الله في عنايته بالخاصّة والعامّة ، ولست آمن عليه أن يجيئه بعض ما يصرفه عن دينه.
وقال عبد الله بن صالح : حدّثني يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبيه قال : قال عمر بن عبد العزيز : لو لا أن أكون زيّن لي من أمر عبد الملك ما يزيّن في عين الوالد لرأيته أهلا للخلافة.
وقال جويرية : ثنا نافع قال : قال عبد الملك بن عمر لأبيه : ما يمنعك أن تمضي للّذي تريد؟ والّذي نفسي بيده ما أبالي لو غلت بي وبك القدور ، فقال : الحمد لله الّذي جعل لي من ذرّيتي من يعينني على هذا الأمر ، يا بنيّ لو تأهّب النّاس بالذي تقول لم آمن أن ينكروها فإذا أنكروها لم أجد بدّا من