بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ولىّ كلّ نعمة ، وصلواته على نبيّه الهادى من كلّ ضلالة ، وعلى آله المنتجبين (١) الأخيار ، وعترته المصطفين الأبرار.
[قال أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل رحمهالله لبعض إخوانه : اعلم ـ علّمك الله الخير ، ودلّك عليه ، وقيّضه لك ، وجعلك من أهله](٢) أنّ أحقّ العلوم بالتعلّم ، وأولاها بالتحفّظ ـ بعد المعرفة بالله جلّ ثناؤه ـ علم البلاغة ، ومعرفة الفصاحة ، الذى به يعرف إعجاز كتاب الله تعالى ، الناطق بالحقّ ، الهادى إلى سبيل الرّشد ، المدلول به على صدق الرسالة وصحّة النبوة ، التى رفعت أعلام الحقّ ، وأقامت منار الدّين ، وأزالت شبه الكفر ببراهينها ، وهتكت حجب الشكّ بيقينها.
وقد علمنا أنّ الإنسان إذا أغفل علم البلاغة ، وأخلّ بمعرفة الفصاحة لم يقع علمه بإعجاز القرآن من جهة ما خصّه الله به من حسن التأليف ، وبراعة التركيب ، وما شحنه به من الإيجاز البديع ، والاختصار اللطيف ؛ وضمنه من الحلاوة ، وجلّله من رونق الطّلاوة ، مع سهولة كلمه وجزالتها ، وعذوبتها وسلاستها ، إلى غير ذلك من محاسنه التى عجز الخلق عنها ، وتحيّرت عقولهم فيها.
وإنما يعرف إعجازه من جهة عجز العرب عنه ، وقصورهم عن بلوغ غايته ، فى حسنه وبراعته ، وسلاسته ونصاعته (٣) ، وكمال معانيه ، وصفاء ألفاظه. وقبيح لعمرى بالفقيه المؤتمّ به ؛ والقارى المهتدى بهديه ، والمتكلّم المشار إليه فى حسن مناظرته ، وتمام آلته فى مجادلته ، وشدّة شكيمته فى حجاجه (٤) ؛ وبالعربىّ الصّليب (٥)
__________________
(١) المنتجب : المختار
(٢) ما بين المربعين ساقط من الأصول عدا ط.
(٣) النصاعة هنا : الوضوح.
(٤) شديد الشكيمة : أبىّ لا ينقاد. والحجاج : مصدر حاجة : إذا غلبه فى الحجة.
(٥) الصليب : الخالص النسب.