لا يستطيعون الهروب منه ، فكان ينقلهم دائما من مواقع الهجوم ضد فكرة التوحيد ، إلى مواقع الدفاع عن فكرة الشرك التي يلتزمونها مما يخلق في داخلهم الشعور بالضعف على أكثر من صعيد.
وهذا هو المنهج الأمثل في الأسلوب العملي في قضية الصراع ، عند ما تدفع خصمك إلى مواقع الدفاع ، لتضطره الى التراجع بسهولة من خلال ما أعددته للساحة من وسائل الهجوم بطريقة واعية ، ومن خلال ذلك كان إبراهيم عليهالسلام يدير عملية الحوار معهم ، ليهزّ قناعاتهم المتحجرة أولا ، وليقودهم ـ في محاولة جادة مدروسة ـ إلى قناعاته في نهاية المطاف.
(وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ) فقد أعده الله في تكوينه الفكري والروحي إعدادا صالحا ، من خلال ما أثاره في نفسه من علامات الاستفهام ، وأدار فكره من المواقع التي تعطي لكل سؤال جوابا في دقة وعمق وانفتاح ، وعرف من حركة الواقع من حوله الكثير الكثير من شؤون الناس في أفكارهم وتوجهاتهم ومواقفهم ، حتى استطاع أن يختزن في وعيه الحس الاجتماعي الذي يعرف من خلاله كيف يكتشف نقاط الضعف عند الآخرين ، ونقاط القوة في نفسه ، ليواجه نقاط ضعفهم بنقاط قوته. وهكذا استطاع أن يحصل على الرشد الفكري الذي يهديه إلى معرفة مواقع الخطأ والصواب في الأشياء المطروحة في الساحة.
(وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ) لأن الله هو الذي تعهده بالعناية والرعاية ، بما هيأ له من إمكانات على جميع المستويات ، ومن خلال ما يتعهّد به الأنبياء من تربية فكرية وأخلاقية وروحية ، ليكونوا في مستوى حمل الرسالة ، وفي موقع الاختيار الإلهي لتقوم بهم الحجة على الناس من موقع القوّة الفكرية والروحية ، لأن الذي يريد أن يقود الناس إلى الرشد ، لا بد من أن يملك رشده ، لأن فاقد