في التفكير من أجل اكتشاف انحرافها عقيديا. فحاول أن يهز جمود الموقف عنده ، بطريقة الصدمة وأسلوب الإثارة ، فهاجم هذه المقدسات الصنمية بعنف. فكيف يمكن له وهو العاقل الواعي الكبير في سنه ، أن يعبد هذه الحجارة التي لا تسمعه ـ إذا خاطبها الإنسان بحاجة أو سؤال أو خضوع وابتهال ـ ، ولا تبصره إذا وقف أمامها في وقفه عبادة ، لأنها لا تملك أيّ حس يوحي بالتأثر والانفعال في ما يقوم به الآخرون تجاهها؟! فكيف يمكن أن تكون آلهة ، وهي وإحساسها بنا أو بالآخرين غائب غيابا كليا عن الإنسان والكون والحياة؟ ثم ما الذي تملكه من قوة وقدرة على التأثير بما حولها ومن حولها؟ إنها اللاشيء في عالم المعقول ، أو في عالم الحركة ، فكيف تستجيب لدعوات الناس الذين يعبدونها ، وكيف تدفع عنهم الضرر أو تجلب لهم النفع ، أو ترفع ضغط الواقع عنهم؟ وما فائدة عبادتهم لها ، وما قيمتها على مستوى الوجود كي تعبد؟
إنها اللافائدة ، واللّامعقول ، واللّاإحساس بأي شيء في الحياة.
* * *
إبراهيم عليهالسلام يعظ أباه
(يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ) فقد عشت تجربة الفكر التي أعطتني المعرفة التأملية ، وقد عشت تجربة الواقع ، فمنحتني الثقافة العملية ، وقد ألهمني الله من وحيه الكثير من تفاصيل العقيدة والشريعة ، والمنهج العملي في الحياة ، واستطعت من خلال ذلك كله أن أحصل على المعرفة الواسعة التي تتيح لي هداية الناس ودعوتهم إلى الله. والمسألة هنا ليست مسألة أب أو ابن ، بل هي مسألة جاهل وعالم. وليست قصة عمر كبير ، أو عمر صغير ، لأن أهمية العمر هي في ما يختزن من تجربة ، لا في ما يستهلك من لحظات زمنية. فإذا كان العمر خاليا من تجربة الفكر وتجربة الواقع ، فإنه لا يمثل امتدادا في قيمة