يحمل أي مظهر للحياة في داخل تكوينه ، ولكنه يتميز بأن له صوتا كصوت العجل ، مما يعطيه ميزة مقدسة توحي بأنه يحمل في ذاته بعض الأسرار الإلهية ، تماما كما هي الخصائص الشكلية التي تصنع في الأوثان التي كانوا يعبدونها من أجل الإيحاء بعمق القداسة في شخصيتها ، ليخدعوا الناس البسطاء بذلك.
* * *
تحرك الرواسب الوثنية
وهكذا ابتدأت رواسبهم الوثنية تتحرك ، فهم يرون ، لأول مرة ، بعد هذه الرحلة الطويلة مع موسى ، وثنا ينطلق في دائرتهم الاجتماعية ، وقد كانوا سألوا موسى سابقا عند ما خرجوا من البحر فشاهدوا قوما يعكفون على أصنام لهم ، أن يجعل لهم إلها كما لهم آلهة ، ولكن موسى قال لهم ، (إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [الأعراف : ١٣٨]. وها هم يسقطون أمام التجربة في غياب موسى عليهالسلام الذي يخافونه ويخشون غضبه ، (فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى) ربما قالها السامري ومساعدوه ، وربما قالها بعضهم لبعض ، (فَنَسِيَ) في حكايتهم عن موسى الذي نسي إلهه هنا ، فمضى يطلبه في الطور ، أو عن السامري الذي نسي حقيقة الوحدانية في الإله الذي هو رب كل شيء.
ويتدخل الوحي القرآني ليثير الإيحاءات التي تكشف زيف الموقف ، لفقدان الأساس العقلي الذي يرتكز عليه في ما يملكه الإله من خصائص ذاتية من قدرة التحرك ووعي الأشياء ، والتمكن من النطق على الأقل. ولكن هذا العجل لا يستطيع أن يستجيب ، ولو بالإشارة ، إلى من يدعوه ، ولا يملك لهم أيّة قدرة على النفع والضرر ، فكيف يتصورونه إلها لهم ولموسى بدلا عن الله الواحد الذي دعاهم موسى إليه ودلّهم عليه ، (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) بل هو مجرد شيء جامد لا حياة فيه ، مصنوع للإنسان ،