فكيف يكون صانعا له؟ أو أن مسألة الإله لديهم تختلف عمّا هو في الوعي الدقيق للمسألة.
* * *
موقف هارون
ولم يقف هارون الذي كان يشهد كل هذا الانحراف ، موقف اللامبالاة السلبي تجاه ذلك ، بل حاول أن يثير في أنفسهم الفكرة الرافضة له ، ويعرفهم طبيعة الموقف ، ليفكروا فيه بدقة ، فلا يستسلموا للأجواء الانفعالية المحيطة بهم.
(وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) فهو الصورة المتحركة للامتحان والاختبار لإيمانكم ، ليظهر صدقه في ما تشتمل عليه عقولكم من ركائز ، أو ليتبين زيفه ، على أساس أن الرواسب التاريخية للحالة الصنمية هي التي تشدكم إلى الموقف في العقيدة والممارسة ، وأن اتباعكم لموسى كان منطلقا من قوة شخصيته ، لا من الانسجام مع رسالته. فحاولوا أن تنتبهوا إلى طبيعة الخطة الشيطانية التي نصبت لكم ، فلا تغمضوا عيونكم عنها وفكّروا بأن هذا لا يمكن أن يكون ربا لكم ، لأنه لا يملك أي عنصر من عناصر الربوبية ، (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ) الذي خلقكم من رحمته ، فجعلها عنوانا لربوبيته ولخلقه ، فأنعم عليكم بنعمه الظاهرة والباطنة ، وأفاض عليكم من لطفه وفضله ورعايته وعنايته ، في ما سخره لكم من الكون كله لترتاحوا فيه ، ولترجعوا اليه ، (فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي) لأنني حجة الله عليكم ، ولن أدعوكم إلا إلى ما دعاكم إليه موسى من خير وصلاح.
(قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) لأننا لا نركن إلا إليه فهو النبي الأصيل الذي حمل الرسالة ، وقاد المعركة ، وتحمل المسؤولية ، أما أنت ، فإنك مجرد شريك ووزير مساعد تابع ، ولكنك لا تستقبل الوحي كما