ليتوازن الموقف في ميزان القوة أمامه. قولا له إنا رسولا ربك ، اذكرا له أن له ربا خلقه وأنعم عليه فهو يملك ما لا يملكه غيره ، وهو الذي يملك حياته وموته ، لأن هذه الكلمة هي التي تخفف من كبريائه ، وتسقط سطوته الطاغية عند نفسه ، وتوحي إليه بمشاعر الضعف ، فهو ليس ربا ولكنه مربوب ، وليس سيدا ولكنه عبد ..
ثم أعلنا له المطلب الذي يتحدى موقعه ، واختصرا المسألة وقدماها بشكل حاسم ..
* * *
المواجهة بين موسى عليهالسلام وفرعون
(فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ) أطلق سراحهم ، أعطهم حريتهم ولا تضطهدهم بألوان العذاب ، فلطالما استعبدتهم بدون حق لأنهم أحرار ، ولطالما أهدرت إنسانيتهم ، وأذللت عزتهم وكرامتهم .. إنها رسالة الله إليك وليست كلمتنا الشخصية ، وإذا لم تصدق ذلك فسترى أنا (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ) تعرفك طبيعة الصدق في كلامنا في ما ندعيه من رسالة الله.
(وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) إنها دعوة سلام للمهتدين المنسجمين مع دعوة الهدى ، على مستوى التحية والعلاقة والانتماء ، في لفتة إيحائية لفرعون أنه لا سلام معه إذا بقي على نهجه الاستكباري الكافر المتحرك في طريق الضلال ، وأنه إذا أراد أن يمنح نفسه سلاما فعليه أن يتبع الهدى في خط الرسالة الإلهية ، وهذا هو سر القوة في الموقف النبوي من موسى وهارون. ثم يتصاعد الموقف في لهجة تهديدية قوية ضاغطة لا عهد له بها من قبل في ما كان يستمع إليه من حديث الناس معه ، (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ