رسل الله في إخلاصهم وجهادهم
ويمر القرآن ، في هذه الآيات على مجموعة من الأنبياء بطريقة سريعة ، تعطي لمحة خاطفة عن صفة روحية ، أو أخلاقية أو رساليّة في حياتهم الخاصة والعامة ، من أجل أن نتمثلهم في درجاتهم العليا ، في مستوى القدوة الصالحة للبشرية الآتية من بعدهم ، الباحثة عن النموذج الأفضل الذي يوحي بميلاد عصر جديد على مستوى الرسالة والحركة والإنسان.
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى) هذا النبي العظيم الذي عاش تحدّيا كبيرا في رسالته أمام فرعون ، وتعرض لأكثر من حالة اضطهاد مع المستضعفين ولم يتراجع ، ولم يهن ، بل بقي مثابرا على دعوته ومهمته حتى استطاع أن يهزم الطاغية في نهاية المطاف .. وبذلك يكون تذكّره حافزا للعاملين على المزيد من الاندفاع في الدعوة ، والثبات في مواقع الرسالة ، (إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً) أخلصه الله لنفسه فلم يكن فيه شيء لغيره ، لا في نفسه ولا في عمله ، تتمثل فيه العبودية الخالصة لله في أعلى الدرجات وأرفع المستويات ، (وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) حمله الله الرسالة في خط الدعوة ، ورزقه النبوة في حركة الوحي.
(وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ) في أول لقاء له بالوحي المنطلق من الله ، في ذلك الجبل الذي كلمه الله فيه ، في الجانب الأيمن منه ، (وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا) وناجاه فيه كأسلوب من أساليب الإيحاء بالقرب المعنوي من الله.
وقد تميّز عن الأنبياء بأن قرن الله به هارون أخاه في موقف النبوة ، (وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا) التي أردنا بها أن نقوي موقعه ونشد أزره ، فأرسلنا معه (أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا) بعد أن سأل ربه أن يجعله وزيرا له ، وأن يشركه في أمره ، ليقوي به موقفه الثابت ويبعده عن مواقع الاهتزاز أمام نقاط الضعف العملي على أكثر من صعيد.
* * *