الغيبيّة التي يتمتع بها هؤلاء. ولكن الملائكة الذين أنزلهم الله إلى ساحة المعركة ، لم تكن مهمتهم قتاليّة ، لأن الله لم يرد للمسلمين أن يستسلموا للاسترخاء ، على أساس الاعتقاد بأن الملائكة جاءت لتقاتل بالنيابة عنهم. ولو كان الأمر كذلك ، لما كانت هناك حاجة ملحّة لأيّة معركة وأيّ قتال ، لأن القوة الغيبيّة كفيلة بتصفية جميع الأعداء ، بل كانت مهمتهم تطمينية نفسية ، وهذا ما عبّرت عنه الآية (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) ليزيل من نفوسهم كل شعور بالقلق والخوف والاهتزاز ، ليندفعوا إلى المعركة بقوّة وثبات ، ليعطوا كل طاقاتهم للقتال في إحساس عميق بأنهم لا يصنعون النصر عند ما يصنعونه بقوتهم الذاتية ، كما لا يصنعه الملائكة ـ لو صنعوه ـ بل هو من عند الله ، من خلال ما تتحرك به ألطافه وتفيض به رحمته من أسباب النصر ، لأن الأمور كلها بيده ، في آفاق الغيب ، وفي آفاق الواقع ...
* * *
النصر من عند الله
(وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ، فهو الذي يهيّئ له أسبابه ، بعيدا عن قضية الكثرة والقلة ، وعن العدّة العسكرية والمادية في السلاح والمال ، وهو الذي ينصرهم بعزته التي لا تغلب ، وبحكمته التي لا تتبدّل.
وهكذا عاش المسلمون في طمأنينة روحيّة ، وشعور عميق بالأمن ، فاستسلموا لإغفاءة طويلة ، يتخفّفون بها من الجهد والتعب ، ويعيشون فيها راحة الجسد ، إلى جانب ما عاشوه من راحة الروح. (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ) واستفاقوا محدثين بالجنابة التي أصابتهم بسبب الاحتلام الذي يعبر عنه القرآن برجز الشيطان ، كتعبير عن القذارة التي يختزنها معنى الرجز ، وعن