ميزان القوّة الظاهري يميل لمصلحة قريش
(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ). فقد كان الجوّ يوحي بالتوتّر وينذر بالخوف ، لأن ميزان القوّة لم يكن متعادلا ، بل كان يميل إلى جانب العدو. فقد كان جيش قريش يقارب الألف رجل ، بينما كان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا. وكان في عسكره فرسان وسبعون جملا كانوا يتعاقبون عليها ، ولم يكن عندهم سلاح بالكمية والنوعية التي يتميز بها سلاح قريش ، وكانت أول تجربة للمسلمين في المعارك بهذه الصفة ، وكان جوّهم يوحي بالقوّة الروحية الواثقة بحقها من خلال الثقة بربها ... ولكن هناك فرقا بين الأسلوب الإيحائي بالقوة المادية ، الذي يعبّر عن نفسه ، باستعراض الأدوات التي تتحرك فيها القوّة ، بأساليب التخويف والتهويل ، وبين الأسلوب الإيحائي بالقوة الروحية الذي يعبر عن نفسه بالابتهال إلى الله ، والرجوع إليه ، والانسحاق بين يديه ، والشعور بالحاجة إلى الإمداد الإلهي في ما يوحي به من الروح المطمئنة ، والإرادة القوية ، والشعور الهادىء ، ولذلك كانت المعركة غير المتكافئة منطلقا للأجواء الروحية التي انطلق المسلمون معها بقيادة الرسول للاستغاثة بالله ، بعيدا عن كل الأجواء الاستعراضية. فقد كانوا في شغل شاغل عن الفكرة التي توحي للمشركين بأنهم أقوياء ، وكان همّهم الكبير أن يحصلوا على الإمداد الإلهي ، ليحصلوا ـ من خلاله ـ على الشعور الداخلي بالقوّة ، الذي يدفع بهم إلى الثبات والصمود والاندفاع في المعركة ، ليكون ذلك هو الإيحاء الحقيقي للمشركين بالمعنى العميق للقوّة لدى المسلمين.
* * *