الفكر والعمل ، بل تبحث عن الشرّ الذي يهدم ذاته ويوجهها في اتجاه الهلاك ، فالإنسان الإنسان ، هو الذي يعرف الحق فيتبعه ، ويعرف الباطل فيجتنبه ... (وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ) لأنهم يسيئوا إلى أنفسهم عند ما يمنعون عنها الانفتاح على الغايات الخيّرة السعيدة المنطلقة من الله.
(مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي) في ما يتحرك به من السير على هدى الله في وحيه ، (وَمَنْ يُضْلِلْ) في ما ينحرف به باختياره عن النهج السويّ للهداية ، (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) الذين خسروا الدنيا والآخرة ، بما أوقعوا فيه أنفسهم من الخسران الروحي والعملي.
(وَلَقَدْ ذَرَأْنا) ، أي خلقنا (لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) الذين عطّلوا الطاقات الفكرية والحسية التي وهبهم الله إياها من أجل أن يستفيدوا منها في خطّ المعرفة ، فقد خلق الله لهم العقول ليفكروا بها فيهتدوا بذلك في معرفة الخط السليم للحياة ، وخلق لهم الأعين ليبصروا بها خلق الله ، والآذان ليسمعوا بها آيات الله ، والكلمات التي تفتح قلوبهم على الحق ، ولكنهم جمّدوا ذلك كله ، فعطّلوا عقولهم عن التفكير ، وأعينهم عن التحديق بالأشياء بوعي ، وأسماعهم عن الاستماع إلى المواعظ بتركيز. (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها) لأنهم لم يحرّكوها في اتجاه الفهم الواعي للأمور ، (وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها) في التعرف على مظاهر عظمة الله ، (وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها) لأنهم لم يركّزوا وعيهم في الاستماع إلى الآيات بوعي.
(أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ) وكالبهائم السائمة التي لا تعقل ولا تعي ، فهي عند ما تتحرك لا تتجاوز نداء غرائزها لأنها لا تملك مجالا لغير ذلك ... ولكن الإنسان الذي يملك القدرة على تحصيل مفردات المعرفة ، كما يملك القوة العقلية التي يستطيع بواسطتها أن يحوّل مفردات المعرفة إلى منهج فكر وحياة يهديه للحق والإيمان ، ثم يعطل ذلك ، يكون بالنتيجة مساويا للأنعام ، لأن