القوة والضعف ، لأنها قضية حقّ وإيمان وصدق ... (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) في عملية تأكيد للكفر ، من أجل خلق حالة نفسية ضاغطة ، تهز موقف المستضعفين أو تردّ جانب التحدّي منهم بمثله. ولم تنفعهم تلك الأساليب في حربهم النفسية ضد المؤمنين شيئا ، ولم يكن لهم منطق معقول يمكن أن يعتمدوه كأساس للمواجهة الفكرية في عملية ربح الموقف ، فلجئوا إلى القوة ، ولكنهم لم يستطيعوا مواجهة صالح والمؤمنين معه ، فعمدوا إلى الناقة الضعيفة التي لا تملك أن تدافع عن نفسها (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) في حالة من الطغيان ، ووقفوا أمام صالح وقفة من يتحدى الإنذار بالعذاب ؛ (وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) الذين يرتبطون بالله بعلاقة وثيقة ، تتيح لهم أن يستنزلوا العذاب على معانديهم. وكان ردّ التحدي حازما وسريعا ، (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) واهتزت بهم الأرض. وكان الزلزال الذي ارتجفوا به ، (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) ، لا يستطيعون الوقوف والتحرك من مكانهم بفعل الموت. فما ذا كان رد فعل صالح ، وهو يرى فعل الله بهم ؛ هل كان موقف شماتة وحقد؟ إن الأنبياء لا يشمتون ، وأصحاب الرسالات لا يحقدون ، لأن قلوبهم مملوءة بالمحبة والرحمة ، وأرواحهم منطلقة بالخير والرأفة ... (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ) أعرض عنهم وابتعد عن هذا المنظر الأليم ؛ (وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي) بكل ما فيها من حقّ وعدل وخير وصلاح ، بكل تفاصيلها (وَنَصَحْتُ لَكُمْ) بالسير في خط الرسالة لتبلغوا مداها الأخير ، وهو الجنة في الدار الآخرة بالإضافة إلى سعادة الدنيا ... (وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) .. ولا تطيعونهم في ما يريدون أن يدلوكم على منابع الحب والخير والرحمة ... وهكذا أسدل الستار على هذه القصة ، لتبدأ قصة رسالية جديدة.
* * *