عثمان بن طلحة بن عبد الدار لما أغلق باب الكعبة ، وأبى أن يدفع المفتاح ليدخل فيها رسول الله وقال : لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه فلوى علي كرم الله وجهه يده وأخذه منه وفتح ، فدخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وصلى ركعتين فلما خرج سأله العباس رضي الله عنه أن يعطيه المفتاح ويجمع له السقاية والسدانة. فنزلت فأمره الله أن يرده إليه ، فأمر عليا رضي الله عنه أن يرده ويعتذر إليه ، وصار ذلك سببا لإسلامه ونزل الوحي بأن السدانة في أولاده أبدا (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) أي وأن تحكموا بالإنصاف والسوية إذا قضيتم بين من ينفذ عليه أمركم ، أو يرضى بحكمكم ولأن الحكم وظيفة الولاة قيل الخطاب لهم. (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) أي نعم شيئا يعظكم به ، أو نعم الشيء الذي يعظكم به فما منصوبة موصوفة يعظكم به. أو مرفوعة موصولة به. والمخصوص بالمدح محذوف وهو المأمور به من أداء الأمانات والعدل في الحكومات. (إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً) بأقوالكم وأحكامكم وما تفعلون في الأمانات.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(٥٩)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) يريد بهم أمراء المسلمين في عهد الرسول صلىاللهعليهوسلم وبعده ، ويندرج فيهم الخلفاء والقضاة وأمراء السرية. أمر الناس بطاعتهم بعد ما أمرهم بالعدل تنبيها على أن وجوب طاعتهم ما داموا على الحق. وقيل علماء الشرع لقوله تعالى : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ). (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ) أنتم وأولو الأمر منكم. (فِي شَيْءٍ) من أمور الدين ، وهو يؤيد الوجه الأول إذ ليس للمقلد أن ينازع المجتهد في حكمه بخلاف المرؤوس إلا أن يقال الخطاب لأولي الأمر على طريقة الالتفات. (فَرُدُّوهُ) فراجعوا فيه. (إِلَى اللهِ) إلى كتابه. (وَالرَّسُولِ) بالسؤال عنه في زمانه ، والمراجعة إلى سنته بعده. واستدل به منكر والقياس وقالوا : إنه تعالى أوجب رد المختلف إلى الكتاب والسنة دون القياس. وأجيب بأن رد المختلف إلى المنصوص عليه إنما يكون بالتمثيل والبناء عليه وهو القياس ، ويؤيد ذلك الأمر به بعد الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله فإنه يدل على أن الأحكام ثلاثة مثبت بالكتاب ومثبت بالسنة ومثبت بالرد إليهما على وجه القياس. (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فإن الإيمان يوجب ذلك. (ذلِكَ) أي الرد. (خَيْرٌ) لكم. (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) عاقبة أو أحسن تأويلا من تأويلكم بلا رد.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً)(٦٠)
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) عن ابن عباس رضي الله عنهما.(أن منافقا خاصم يهوديا فدعاه اليهودي إلى النبيصلىاللهعليهوسلم ، ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف ثم إنهما احتكما إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فحكم لليهودي فلم يرض المنافق بقضائه وقال : نتحاكم إلى عمر فقال اليهودي لعمر : قضى لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلم يرض بقضائه وخاصم إليك ، فقال عمر رضي الله تعالى عنه للمنافق : أكذلك. فقال نعم. فقال : مكانكما حتى أخرج إليكما ، فدخل فأخذ سيفه ثم خرج فضرب به عنق المنافق حتى برد وقال : هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله ورسوله) فنزلت. وقال جبريل إن عمر قد فرق بين الحق والباطل فسمي الفاروق ، والطاغوت على هذا كعب بن الأشرف وفي معناه من يحكم بالباطل ويؤثر لأجله ، سمي بذلك لفرط طغيانه أو لتشبهه بالشيطان ، أو لأن التحاكم إليه تحاكم إلى الشيطان من حيث إنه الحامل عليه كما قال. (وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) وقرئ أن «يكفروا بها» على أن الطاغوت جمع كقوله تعالى (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ).