وما كنت ممّن يدخل العشق قلبه |
|
ولكنّ من يبصر جفونك يعشق |
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)(١١٨)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً) وليجة ، وهو الذي يعرفه الرجل أسراره ثقة به ، شبه ببطانة الثوب كما شبه بالشعار قال عليه الصلاة والسلام : «الأنصار شعار والناس دثار». (مِنْ دُونِكُمْ) من دون المسلمين ، وهو متعلق بلا تتخذوا ، أو بمحذوف هو صفة بطانة أي بطانة كائنة من دونكم. (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) أي لا يقصرون لكم في الفساد ، والألو التقصير وأصله أن يعدى بالحرف وعدي إلى مفعولين كقولهم : لا آلوك نصحا على تضمين معنى المنع أو النقص. (وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) تمنوا عنتكم ، وهو شدة الضرر والمشقة وما مصدرية. (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) أي في كلامهم لأنهم لا يتمالكون أنفسهم لفرط بغضهم. (وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) مما بدا لأن بدوه ليس عن روية واختيار. (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ) الدالة على وجوب الإخلاص وموالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين. (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) ما بين لكم ، والجمل الأربع جاءت مستأنفات على التعليل ، ويجوز أن تكون الثلاث الأول صفات لبطانة.
(ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)(١١٩)
(ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ) أي أنتم أولاء الخاطئون في موالاة الكفار وتحبونهم ولا يحبونكم ، بيان لخطئهم في موالاتهم ، وهو خبر ثان أو خبر لأولاء والجملة خبر لأنتم كقولك : أنت زيد تحبه ، أو صلته أو حال والعامل فيها معنى الإشارة ، ويجوز أن ينصب أولاء بفعل مضمر يفسره ما بعده وتكون الجملة خبرا. (وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ) بجنس الكتاب كله ، وهو حال من لا يحبونكم والمعنى : إنهم لا يحبونكم والحال أنكم تؤمنون بكتابهم أيضا فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بكتابكم ، وفيه توبيخ بأنهم في باطلهم أصلب منكم في حقكم. (وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا) نفاقا وتغريرا (وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) من أجله تأسفا وتحسرا حيث لم يجدوا إلى التشفي سبيلا. (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) دعاء عليهم بدوام الغيظ وزيادته بتضاعف قوة الإسلام وأهله حتى يهلكوا به. (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) فيعلم ما في صدورهم من البغضاء والحنق ، وهو يحتمل أن يكون من المقول أي وقل لهم إن الله عليم بما هو أخفى مما تخفونه من عض الأنامل غيظا ، وأن يكون خارجا عنه بمعنى قل لهم ذلك ولا تتعجب من اطلاعي إياك على أسرارهم فإني عليم بالأخفى من ضمائرهم.
(إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)(١٢٠)
(إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها) بيان لتناهي عداوتهم إلى حد حسدوا ما نالهم من خير ومنفعة ، وشمتوا بما أصابهم من ضر وشدة ، والمس مستعار للإصابة (وَإِنْ تَصْبِرُوا) على عداوتهم ، أو على مشاق التكاليف. (وَتَتَّقُوا) موالاتهم ، أو ما حرم الله جل جلاله عليكم. (لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) بفضل الله عزوجل وحفظه الموعود للصابرين والمتقين ولأن المحدّ في الأمر ، المتدرب بالاتقاء والصبر يكون قليل الانفعال جريئا على الخصم ، وضمه الراء للاتباع كضمة مد. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (لا يَضُرُّكُمْ) من ضاره يضيره. (إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ) من الصبر والتقوى وغيرهما. (مُحِيطٌ) أي محيط