والثّاني : أنها للتعليل : أي : اعبدوا ربّكم ؛ لكي تتّقوا ، وبه قال قطرب ، والطبريّ وغيرهما ؛ وأنشدوا : [الطويل]
٢٧٨ ـ وقلتم لنا : كفّوا الحروب لعلّنا |
|
نكفّ ووثّقتم لنا كلّ موثق |
فلمّا كففنا الحرب كانت عهودكم |
|
كلمع سراب في الملا متألّق (١) |
أي : لنكفّ الحرب (٢) ، ولو كانت «لعلّ» للترجّي ، لم يقل : ووثّقتم لنا كلّ موثق.
والثّالث : أنها للتعرّض للشيء ؛ كأنه قيل : افعلوا ذلك متعرضّين لأن تتّقوا.
وقال القفّال : «لعل» مأخوذة من تكرير الشيء لقولهم : عللا بعد نهل ، و «اللام» فيها هي «لام» التأكيد كاللام التي تدخل في «لقد» ، فأصل «لعل» : «عل» ؛ لأنهم يقولون : «علك أن تفعل كذا» : أي لعلك. وإن كانت حقيقة في التكرير والتأكيد ، كان (٣) قول القائل : افعل كذا لعلّك تظفر بحاجتك. معناه : افعله ؛ فإن فعلك له يؤكد طلبك له ويقويك عليه ، وهذه الجملة على كل قول متعلّقة من جهة المعنى ب «اعبدوا» أي : اعبدوا على رجائكم التّقوى ، أو لتتقوا ، أو متعرّضين للتقوى ، وإليه مال المهدوي ، وأبو البقاء.
وقال ابن عطيّة : «[يتجه](٤) تعلّقها بخلقكم ؛ لأنّ كل مولود يولد على الفطرة ، فهو بحيث يرجى أن يكون متقيا» ، إلّا أن المهدوي منع من ذلك.
قال : لأن من ذرأه الله لجهنم لم يخلقه ليتقي ، ولم يذكر الزمخشري غير تعلّقها ب «خلقكم» ثم رتب على ذلك سؤالين :
أحدهما : أنه كما خلق المخاطبين لعلّهم يتقون ، كذلك خلق الذين من قبلهم لذلك فلم خصّ المخاطبين بذلك دون من قبلهم؟
وأجاب عن ذلك بأنه لم يقصره عليهم ، بل غلّب المخاطبين على الغائبين في اللفظ والمعنى على إرادة الجميع.
السّؤال الثاني : هلا قيل : «تعبدون» لأجل «اعبدوا» أو اتقوا لمكان «تتقون» ليتجاوب (٥) طرفا النظم؟
وأجاب بأن التقوى ليست غير العبادة حتى يؤدي ذلك إلى تنافر النّظم ، وإنّما التقوى قصارى أمر العابد ، وأقصى جهده.
__________________
(١) ينظر البيتان في أمالي ابن الشجري : (١ / ٥١) ، الطبري : (١ / ١٩٧) ، وروح المعاني : (١ / ١٨٦) ، القرطبي : (١ / ١٥٨) ، الدر المصون : (١ / ١٤٧).
(٢) في أ : الحروب.
(٣) في أ : وأن.
(٤) سقط في أ.
(٥) في أ : ليتجاوز.